من الغريب أن نحاول أن نفكر فى هذه الأيام. مجرد التفكير فى حد ذاته أصبح يثير الاستغراب. فمهما يكن تفكيرك لن يستطيع أن يلاحق الأحداث، والأغرب أننا نحاول أن نقنع العقل بالوضع الحالى، وأن يستجيب لمدلهمات الأمور على الرغم من بديهيات بعض الأحداث وسذاجتها، أشعر وكأننا أمام عمل سينمائى أبيض وأسود، أو سرد لأحداث مكررة سلفا ومدعومة بتأكيد سلبى وإعجاب غبى وكأنه ابتكار. ما تمر به مصر هذه الأيام يشعرنى وكأننا نلهو ونلعب لعبة الكراسى الموسيقية، الشعب كله والسلطات تلهث بكل ما أوتيت من قوة والحكم هو الصفارة هو الذى يشعل السباق ويديره كيفما شاء ويضحك ويغرد فى ضحكة كلما تقلص العدد أو وقع بعض أفراد اللعبة، والعجيب أن الخاسر يتنازل عن نصيبه فى اللعب بمجرد خسارة الكرسى ويذهب ليجلى وينتظر نهاية السباق ولأنها لعبة لا يعبأ الجميع بالراحة بل بالاستمتاع واللهو ولكن الشخص الوحيد الذى يستطيع أن يرتاح ويجنى بعض الراحة فى أى وقت هو الحكم منظم المباراة، إننا نعيش حالة أصعب من ذلك بكثير، نلعب الكراسى الموسيقية ولكن للحصول على قسط من الراحة، ثم استكمال الطريق لا وقت ولا جدوى من الاستمتاع مع الأخذ فى الاعتبار إهدار الكرامة وعدم معرفة قوانين اللعبة مسبقا فقد تتغير فى بعض الأحيان طبعا حسب خبرة واستماتة وحنكة الحكم والمدير للمباراة. منذ اندلاع الثورة والجميع يراهن على مصر الجديدة وعلى الحصول على راحة هذا الشعب واطمئنانه لمستقبله ولأنه تم الخلط بين الجد والهزل لم نعد نعرف هل الآن نلهو بالكراسى الموسيقية للحصول على المتعة أم للحصول على الراحة، اختلطت الأوراق وتباينت الحروف والخطوب، والواقع يؤكد أن الكراسى المصرية لها بريق عجيب من يلمسها يصاب بمس غريب يغير من أفكاره ومبادئه، يا سادة يجب أن نحدد الآن هل نحن نحتاج إلى الاستمتاع واللهو أم إلى الراحة؟ متى يحين وقت الراحة لكل من بذل وضحى؟ هناك من الشعب الكثير الذى أُنهك ونال التعب منه نيلا ويريد قسطا لا ليرتاح قليلا ولكن لترتاح نفسيته، الجميع يحلم بأى صورة إيجابية تليق بنا كشعب محترم يحترم فينا العاقل والكبر والمرأة والشيخ، أخشى أن يظل حَكم اللعبة يسرع من اللعبة حتى يتعب جميع اللاعبين ويختار منهم الأصلح ومن ما زال حيا ليكمل معه المسيرة، أو أخشى أن يكون الطمع أساسا فى الكرسى من حكم المباراة لينفرد به وحيدا على مرأى ومسمع من اللاعبين المنهكين غير القادرين على استكمال المبارة بأى شكل، فعلا الآن نحتاج إلى لياقة بدنية لنستطيع مجاراة الوضع ونكمل المسيرة ونحدد مصيرنا بأيدينا، إن العبث الحاصل بمصر ليس معناه إلا أن هناك طائفة بدأت تتحول من اللعب إلى الراحة والطموح لبعض المناصب، هل الاستهانة بمصر وصلت إلى هذا الحد هل الاستهانة بالوطن وصلت إلى حد المتاجرة؟! كفانا عبثا.. وأتذكر هنا قول أمير الشعراء: ابنة اليم، ما أبوك بخيل ما له مولع بمنع وحبس؟ أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس؟ كل دار أحق بالأهل إلا فى خبيثٍ من المذاهب رجس نَفَسى مرجل، وقلبى شراع بهما فى الدموع سِيرى وارسى واجعلى وجهك الفنار ومجراك يد الثغر بين رمل ومكس وطنى لو شغلت بالخلد عنه نازعتنى إليه فى الخلد نفسى. الوضع أصبح يقترب من ثورة عارمة قد تضطر إليها مصر وينال منها أعداؤها ولكن الشىء الموجع أن أعداد المنتفعين الطامحين الطامعين فى تزايد غير عابئين بآهات مصر ودماء أبنائها.. فلتكن وقفة بعيدة عن أى انتماءات سياسية.. مصر أهم من كل شىء، وإذا كانت الحرية هى ثمن ضياع مصر فلتذهب الحرية وتبقى مصر.. حمى الله مصر وحمى أبناءها وعاشت مصر حرة شامخة بأبنائها المخلصين والنصر قادم إن شاء الله