استيقظ من نومه هادئاً، كما اعتاد أن يفعل طيلة حياته، مارس ألعابه الرياضية، ارتدى ملابسه العسكرية على مهل، غادر مقر إقامته بقصر الطاهرة على أطراف القاهرةالشرقية، فى تمام الواحدة والنصف ظهراً وصل إلى غرفة العمليات ليجد القادة العسكريين فى انتظاره، تفرس فى وجوههم ملياً فوجدهم كعادتهم خلال الأيام التسعة الماضية، صح ظنه من أنهم جميعاً تحرجوا من الإفطار فى نهار رمضان، رغم أنه كان قد أصدر تعليماته لهم من قبل بعدم الصيام، سألهم فجأة «أنتم ما بتدخنوش ليه؟ وليه ما بتشربوش سجاير؟ العملية دى عايزة تركيز وانتباه» لم يتلق أى تعليق فسارع على الفور بطلب شاى لنفسه وأشعل غليونه الشهير وراح يدخن ففعلوا جميعاً مثله. من غرفة القيادة أعطى الرئيس أنور السادات للقوات المسلحة المصرية إشارة البدء لعبور قناة السويس، بدأ التحرك بالقوات الجوية التى أطلقت 222 طائرة نفاثة سرعتها فوق سرعة الصوت لتدك مراكز القيادة الإسرائيلية ومراكز إدارة الطيران والدفاع الجوى التى تتمركز فى شبه جزيرة سيناء شرق قناة السويس، وبعد حوالى 20 دقيقة هى المدة التى استغرقتها العملية العسكرية عادت 217 طائرة فقط إلى قواعدها سالمة، أما الخمس الباقيات والتى كان يقود إحداها عاطف السادات، الشقيق الأصغر للرئيس، فقد عُدّت من خسائر المعركة. وسارت المعركة على أروع ما تكون، الجنود المصريون يعبرون قناة السويس راكبين وراجلين، صائمين وفاطرين، حاملين معداتهم على ظهورهم، وحناجرهم لا تكف عن الهتاف بالكلمة السحرية «الله أكبر»، المدفعية تطلق قذائفها، والدبابات لا تتوقف عن الحركة، والطائرات تحوم فوق مواقع العدو وتقذف كل ما تطوله منها، الصائمون يستولون على خط بارليف، ويرفعون العلم المصرى على أرض سيناء، والرئيس يتابع كل ذلك من موقعه فى غرفة القيادة، يتناول الشاى وينفث دخان غليونه فى الهواء. فيما بعد سوف يتاح للرئيس أن يقف تحت قبة البرلمان ليلقى خطابه الشهير بعد 10 أيام مرت على المعركة، فيتفاخر بأولئك الجنود البواسل الذين ينتمون للمؤسسة العسكرية العريقة، سوف يتحدث عن الذين «نجحوا فى اقتحام مانع قناة السويس الصعب»، و«اجتاحوا خط بارليف المنيع»، ثم «أفقدوا العدو توازنه فى ست ساعات». سوف يكرم الرئيس قادتهم، ويمنحهم الأوسمة والأنواط العسكرية تقديراً لجهدهم فى المعركة، ولن ينسى الجنود الصغار الذين تحملوا النصيب الأكبر من المعركة، فيقيم فى السنوات التالية نصباً تذكارياً مهيباً للجندى المجهول، تخليداً لدور هؤلاء البسطاء فى معركة «العزة والكرامة»، كما أطلق عليها وقتها. من أوسع أبواب التاريخ دخل الرئيس السادات بقيادته لمعركة العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر، يكفيه الانتصار المجيد على أولئك الذين قالوا عن أنفسهم إنهم «لا يُقهرون» فدمر مواقعهم، ودك حصونهم، وأسر ضباطهم وجنودهم، واستعاد الأرض التى تستغيث الآن دون أن تجد من يعير استغاثاتها آذاناً صاغية.