قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللهُ يُزَكِّى مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)، النساء : 49. المشهور فى سبب نزول هذه الآية الكريمة أنها نزلت فى اليهود والنصارى حين قالوا: (نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ)، وفى قولهم: (لَنْ يَدْخُل الْجَنَّةََ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى)، وكانوا يزعمون أنهم لا ذنوب لهم، وقولهم: «آباؤنا سيشفعون لنا ويزكوننا»، وقد ذكر أهل العلم أنها نزلت فى ذمّ التمادح، والتزكية، وأن لفظ الآية عام فى ظاهره. وفى صحيح مسلم عن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نحثوَ فى وجوه المداحين التراب. وفى الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يثنى على رجل؛ فقال: «ويحك قطعتَ عنق صاحبك»، ثم قال :«إن كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة؛ فليقل: أحسبه كذا، ولا يزكى على الله أحداً»، ولذلك قال الرب جلَّ ثناؤه : (بَلْ الله يُزَكِّى مَنْ يَشَاء)، وقال فى آية النجم: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى)، فإنه تكذيب من الله للمزكين أنفسهم من اليهود، والنصارى، وغيرهم؛ أى المرجع فى ذلك إلى الله عز وجل، لأنه أعلم بحقائق الأمور، وغوامضها، فليحذر المسلم من تزكية نفسه، أو الاغترار بعمله، أو مدح الناس وتزكيتهم دون حاجة، أو مقصد شرعى، والقصد والتوسط فى الأمور خير. اللهم زكِّ نفوسنا، وطهِّر قلوبنا، ولا تؤاخذنا بما يقول الناس عنا، واجعلنا عندك خيراً مما يقولون.