طوال أعوامه الخمسين، اتخذ من بيع التحف والحُلى فى خان الخليلى مصدراً لكسب قوت يومه، إلى أن جاءت ثورة 25 يناير وما تبعها من فترة انتقالية، تزامن معها تراجُع حركة السياحة فى مصر، لتؤثر على الرجل فى تجارته ولقمة «عيشه»، فيُقرر ترك عمله، وتغيير مجاله إلى المقاولات. ولم يكن الوضع أحسن حالاً بالنسبة ل«ممدوح عزمى»، بوصول محمد مرسى، الرئيس المعزول، إلى الحكم، فالرجل الخمسينى، الذى قرّر أن يبنى عقاراً، لم يتمكن من توصيل الكهرباء إليه، وبقى الحال على ما هو عليه، فى أحد الأيام أثناء عودته إلى منزله، التقى شاباً يحمل ورقة بعنوان «تمرد»، لسحب الثقة من نظام الإخوان، وعندها لم يتردّد، فهو ممن أبطلوا أصواتهم فى المرحلة الثانية للانتخابات الرئاسية، بعد فشل مرشحه حمدين صباحى، فى الوصول إلى جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية. لم يكتفِ ممدوح عزمى، بتدوين اسمه ومحافظته ورقمه القومى فقط على استمارة «تمرد»، وإنما قرّر الدخول على موقع الحملة، وتحميل الاستمارة وطباعتها وتوزيعها على أصدقائه وأقاربه وجيرانه، ثم يذهب بها «موقّعة» منهم إلى مقر الحملة فى وسط البلد، لتسليمها إلى القائمين عليها. مواظبة «عزمى» على المقر لتسليم توقيعات للحملة، جعلت أحد أعضاء اللجنة المركزية يطلب منه الانضمام إليهم، فيما يتعلق بالعمل الجماهيرى، ليصبح الرجل الخمسينى بعدها مسئولاً عن العمل الجماهيرى، وجمع التوقيعات، ليس فقط فى منطقته، وإنما فى كل القاهرة الكبرى. «عزمى» الذى لم يترك الاعتصام أمام قصر الاتحادية، منذ الدعوة إلى يوم 30 يونيو، لكى يوجد مع الشباب فى الميدان لتنظيم فعاليات هذا اليوم حتى يخرج فى أفضل شكل ممكن، قال ل«الوطن»: «لم أكن أستشعر خيراً فى نظام الإخوان، خصوصاً بعد مرور عام، لم تنفذ فيه أى مطالب ثورية، ولم يجر القصاص للشهداء أو الانتصار لحقوق المصابين، مما جعلنى أتفرغ بشكل كامل للحملة، منذ مايو الماضى، وحتى هذه اللحظة، لدرجة أننى لم أرَ زوجتى وأولادى منذ شهر تقريباً». الابتعاد عن منزله وعمله، أمر تتفهمه زوجته وأولاده، وأقاربه، وأضاف: «أولادى بدأوا يجمعوا معايا توقيعات للحملة، وأختى استغلت ذهابها إلى النادى مع أولادها، وقامت بالترويج لها حتى تخطينا العدد المستهدف من الحملة، وهو 15 مليون توقيع، ووصلنا إلى أكثر من 22 مليون». أحلام كثيرة يرى «عزمى» أنها قريبة التحقُّق، بينها محاسبة المتسبّبين فى استهداف شباب الثورة ومحاسبة قتلتهم ومعالجة المصابين وتوفير الأمن وتأمين لقمة العيش للفقير: «عندى استعداد أسيب شغلى سنة أو اتنين، بس أهم حاجة حق الشهداء والمصابين وتوفير لقمة العيش للفقير وتطوير العشوائيات، والأهم أن الناس تحس بالأمان». لم يكن عزمى وحده هو الذى يجلس خلف منصة «تمرد» فى الاتحادية، محاولاً إخراج اليوم ليس فقط للمشاركين ولكن للعالم كله فى أحسن صورة، فهناك خلية من «المتمردين» يعملون فى صمت، كل ينفذ المطلوب منه دون أن يشعر بهم أحد، فهناك من يؤمّن اللجان على مداخل ومخارج الاتحادية، ومن تخصّص فى الإعاشة وتوفير المواد الغذائية للمعتصمين، وآخرون يجلسون داخل الخيمة الطبيّة، متأهبين لإسعاف المصابين، حال وقوع أى اشتباكات». أحمد على أو «جو»، كما يُطلق عليه زملاؤه المتمردون، شاب فى أواخر العقد الثانى من عمره، تمرُّده بدأ قبل انضمامه إلى الحملة، وقبل أن يصبح منسقها للعمل الجماهيرى، فسبق أن أُلقى القبض عليه أثناء وقفاته الاحتجاجية مع العمال المعترضين على سياسات «مبارك» وحزبه الوطنى الذى عمل على خصخصة شركات القطاع العام. «جو» ترك عمله مهندساً للديكور، وقرّر الانضمام إلى حملة «تمرد»، فهو الشاب الذى يحظى بثقة كبيرة بين جيرانه وأصدقائه، لينزل إلى الشارع لجمع توقيعات الحملة، ويضم إليه معارفه من أصدقائه وجيرانه الشباب، متطوعين بالعمل معه حتى تم اختياره عضواً فى اللجنة المركزية ل«تمرد». استمر فى عمله رغم اعتراض أسرته على التطوّع فى الحملة، خوفاً من أن يتعرّض لبطش تنظيم الإخوان، حسب قوله، ويصبح مجرد رقم فى أعداد شهداء الثورة ومراحلها الانتقالية، فإصابة والدته بانفجار فى عينها اليمنى بسبب ارتفاع ضغطها وقلقها المستمر عليه لم يمنعه عن الحملة ومتمرديها، قائلاً: «فى مشاكل فى البيت بسبب الحملة، وبالذات مع الأخبار اللى كانت بتنشر عن اعتداء الإخوان على أعضاء تمرد فى الشارع خلال جمعهم التوقيعات لدرجة أن أمى فى يوم من الأيام ارتفع ضغط دمها، مما أدى إلى انفجار فى عينها اليمنى». نجاح الحملة فى إسقاط نظام الإخوان رأه «جو»، عوضاً عما تعرّضت له والدته وزملاؤه المتطوعون من «تمرد»، وهو ما جعله يستمر فى ميدان الحرية والاتحادية لحين الحفاظ على مكتسبات الثورة، وكان فى هذا اليوم مسئولاً عن «منصة» الاتحادية، ينظم العمل عليها، وكلمات المتحدثين أعلاها. وأضاف: «لا توجد أى محاذير على المتحدث، فالقواعد واضحة، وهى عدم التحدُّث باسم جهة أو حزب أو تيار أو ذكر أسماء شخصيات عامة، حتى لا تُحسب المنصة على تيار بعينه، كانت منصة الاتحادية منصة لكل الشعب المصرى». لم تقتصر أدوار «المتمردين» على العمل الجماهيرى والتنسيقى فقط فى مظاهرات 30 يونيو، وإنما امتد لتشمل 12 طبيباً، و4 صيادلة، و23 متطوعاً، كانوا الحصيلة التى خاضت بها «تمرد» تظاهرات سحب الثقة ك«ظهير طبى» لإسعاف المصابين حال وقوع أى مواجهات أو اشتباكات محتملة خلال الفعاليات المتصاعدة فى محيط القصر الرئاسى وميدان التحرير. الرقم الضئيل للمشاركين فى المستشفى الميدانى زالت مخاوفه بعد انتهاء التظاهرات بسلام، اللهم إلا اشتباكات محدودة وقعت فى محيط ميدان عبدالمنعم رياض وماسبيرو. مُكتفياً بدوره كمنسق لحملة تمرد لمنطقة الدلتا، مُركزاً جهوده على جمع استمارات سحب الثقة من الرئيس الإخوانى، قبل أن يفاجأ بتكليف من قيادات الحملة قبل تظاهرات 30 يونيو ب14 يوماً فقط بأنه بات المسئول الرسمى منذ تلك اللحظة عن إعداد وتجهيز المستشفى الميدانى، فى ظل تهديدات وتلويحات إخوانية باستخدام العنف، كان الدكتور محمد عوض، صاحب ال32 عاماً، الذى يعمل طبيباً فى مستشفى الزاوية الحمراء، هو المشرف على المستشفيات الميدانية لحملة «تمرد» فى ميدان التحرير وقصر الاتحادية، لم يُصدق حتى اللحظة أنه نجح فى الخروج بمكاسب كثيرة، رغم الإمكانات الضعيفة، أهمها أن «الأيام الخطرة» مرت بسلام دون خسائر جثيمة فى الأرواح. قال «عوض»: «بعد الاتفاق على تعيينى مشرفاً على المستشفيات الميدانية التابعة للحملة، طرحنا ما يُشبه الإعلان على صفحة تمرد الرسمية على (فيس بوك)، نطلب انضمام أطباء وصيادلة ومتطوعين للحملة من أجل وضع التشكيل النهائى للمستشفيات وبدء عملية التوزيع، بحيث تكون الأعداد مناسبة، وفقاً للكثافة الجماهيرية، وبحلول 28 يونيو كانت الحصيلة النهائية للمستعدين لخوض المعركة الطبية، 12 طبيباً، و4 صيادلة، و23 متطوعاً». وأشار «عوض» إلى أنه تم توزيع الأطباء على المسيرات التى انطلقت فى 30 يونيو بالتوازى، وتم الدفع بمجموعة أطباء إلى ميدان التحرير، وانطلقوا من مسيرة السيدة زينب، وآخرون انضموا إلى مسيرة الفتح المتجهة إلى قصر الاتحادية، مؤكداً أن الحملة كانت أعدت خيمتين فى محيط القصر الرئاسى خزنت بداخلهما المعدات الطبية والأدوية والإسعافات الأولية تحسُّباً لنشوب أى اشتباكات، موضحاً أنه تم الاتفاق مع عدد من المستشفيات القريبة من القصر الرئاسى للاستعداد لاستقبال الإصابات. انقسمت الإعاشة ما بين تبرُّعات من المتظاهرين وتكاليف مادية تحملتها «تمرد»، قالت ريهام المصرى، عضو الحملة المركزية للحملة المسئولة عن لجنة الإعاشة فى اعتصام الاتحادية وقتها: إن الحملة بدأت الاستعداد للاعتصام المفتوح أمام القصر الرئاسى منذ يوم 23 يونيو، وتم الاتفاق مع عدد من المتاجر الكبرى على المواد الغذائية المطلوبة، خصوصاً أن الاتفاق هو أن يتم توزيع وجبتى «غذاء وعشاء» على المعتصمين. والحملة كانت بين الحين والآخر تستقبل تبرّعات من المتظاهرين، سواء «طعام أو مشروبات». أضافت «ريهام»: الحملة خصصت خيمة خلف المنصة الرئيسية لاعتصام الاتحادية لتخزين الطعام «يوم بيوم»، خوفاً من تعرّضه للسرقة، خصوصاً أن أبرز أزمات الإعاشة خلال الاعتصامات السابقة طوال عامين، كانت فى الانتهاكات التى تتعرّض لها الإعاشة.