بعدما أنهى الطفل «عبدالرحمن» امتحانات الصف الأول الابتدائى، شعر بتعب شديد، وتورمت يداه بشكل أفزع عائلته، وهو ما جعل عمه عبده محمد الصعيدى يأخذه مسرعاً إلى طبيب مجاور لقريته «الجنايدة» التابعة للوحدة المحلية للجزيرة الخضراء لمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ. طلب الطبيب من العم إجراء تحليل للطفل صاحب الأعوام الستة، وعندما ذهب لأخذ النتيجة، أخبره طبيب المعمل بضياع العينة، وهو أسلوب متبع من طبيب المعمل إذا كانت النتيجة سيئة والحالة متدهورة، حسب كلام العم، مضيفاً: «اكتشفنا حالة عبدالرحمن عندما تورمت يداه، فأخذناه إلى دكتور عندنا بالقرية، نعمل له تحاليل، دكتور المعمل محتاج عينة جديدة عشان الأولى ضاعت، طبعاً هو اكتشف إن عبدالرحمن عنده لوكيميا سرطان الدم بس مرضاش يقولنا من أول مرة وبالفعل أخد عينة تانية وبعدها قالنا الطفل لازم يروح مستشفى الشاطبى بالإسكندرية». «عبده»: أعالج ابن أخى فى «57357» وحالته أصبحت مستقرة.. و7 توفوا فى قريتنا بسبب تلوث مياه الشرب يتابع العم حديثه قائلاً: «مستشفى الشاطبى بينا وبينها مسافة 70 كيلو، وبالفعل رُحنا مستشفى الشاطبى، واتحجزنا 4 أيام لأن حالة عبدالرحمن صعبة وبعد كده طلبوا مننا الذهاب إلى مستشفى الحضرة أو مستشفى الطلبة، لأنهم نقلوا القسم الذى يعالج سرطان الدم من مستشفى الشاطبى إلى مستشفى الحضرة». نصيحة الأطباء بنقل الصغير «عبدالرحمن» إلى مستشفى الحضرى رفضها العم، مقرراً التوجه إلى مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال، وقبل التوجه إلى المستشفى اتصل بهم لمعرفة الأوراق والإجراءات المطلوبة لعلاج الطفل: «اتصلت بالمستشفى قالوا لى هات التقارير والأشعات وماتجبش الحالة، لأنها هتكون على قائمة الانتظار». محاولات العم لمعرفة السقف الزمنى للانتظار باءت بالفشل، ويتابع: «قلت للمسئول على تسجيل الحالات ادينى سقف زمنى قال للأسف ما أعرفش، اديتهم الورق وأكدوا إن التحاليل بتقول إنه مصاب بسرطان الدم، مر يومين وبعدها أخدت الحالة لعل وعسى يقدر يدخل طوارئ، رفضوا وقالوا انت على قائمة الانتظار خد الولد وارجع بيه تانى». عاد العم والطفل إلى قريتهما، وبمجرد رجوعهما انخفضت نسبة الهيموجلوبين فى الدم، وهو ما يجعل العم يبدأ البحث عن رحلة كيس دم فصيلته «B سالب» ويقول: «لما رجعت بعبدالرحمن لقينا نسبة الهيموجلوبين قليلة جداً فى الدم، لدرجة إن الولد مكانش قادر يتكلم، رحت اشتريت له كيس دم، طبعاً فصيلته B سالب وكانت صعبة، وبدأنا مرحلة البحث عن واسطة لأن مصر كلها ماشية بالوسايط لكن للأمانة مانفعش وقلت لهم لو مصر بتشتغل من غير واسطة زيكم كنا نهضنا وبقينا أسياد العالم». تدهور حالة «عبدالرحمن» جعل عمه يأخذه للمرة الثانية إلى مستشفى 57357 قاطعاً مسافة استغرقت 4 ساعات للوصول من قريته إلى مقر المستشفى، وفى هذه المرة قبل المستشفى الحالة للعلاج فى قسم الطوارئ: «قعد 4 أيام فى الطوارئ، كل يوم يدخل يتعالج وناخده ونطلع نبات بره المستشفى لأن مفيش أماكن، لحد لما المستشفى حجزته فى الآخر رسمى، وكنا بناخد عبدالرحمن وبنطلع نبات بره، وفى الآخر محجوز رسمى من 3 أيام، وخد أول جرعة كيماوى والحمد لله الحالة مستقرة حالياً، ومقيم معاه والدته فى المستشفى ووالده معاهم عشان لو احتاجوا حاجة بس مش بيبات فى المستشفى». لا يتعجب العم من إصابة ابن أخيه بهذا المرض، خاصة مع انتشاره فى القرية بين الأهالى على اختلاف أعمارهم، مردداً: «عندنا 7 حالات وفاة بمرض السرطان من قريتى الجنايدة ومعدية رشيد، وحالتهم صعبة وربنا يصبرهم». ارتفاع نسبة التلوث فى القرية يراه «عبده» سبباً فى الأمراض التى غزت القرية، وعلى رأسها تلوث مياه الشرب، موضحاً أن هذا التلوث منذ فترة كبيرة وأنه حاول أكثر من مرة منذ أن كان عضواً فى الحزب الوطنى وعضواً فى لجنة «الخمسين» على مستوى جمهورية مصر العربية أن يتحدث مع قيادات الحزب لكن دون فائدة، ويقول: «أبلغت الأمانة العامة للحزب الوطنى أيام ما كنت عضواً فى لجنة الخمسين على مستوى مصر، إحنا عندنا هنا نسبة التلوث عالية، لو فتحت لك الحنفية ونزلت شوية مياه مش هتطيقى تشمى ريحتها أو تشربيها، ولما بنلاقيها كده مش بخلى حد فى البيت يشربها وبنحذر الناس منها عن طريق ميكروفون الجامع». مشكلة أخرى يراها «عبده» سبباً فى تلوث البيئة وهى خط المياه المغذى لقريته، فما زال مصنوعاً من مواسير الاسبستوس المحرمة دولياً وتعد سبباً من أسباب الإصابة بمرض السرطان: «عندنا 5 كيلو مواسير مياه اسبستوس من أيام عبدالناصر، كان أبويا شاهد على تركيبها فى القرية، ومنذ هذه اللحظة لم تتغير هذه المواسير رغم تحريم استخدامها دولياً، واتكلمنا فى الموضوع ده أكتر من مرة ولكن لا حياة لمن تنادى، من ساعة لما طلع طريق الفنار وإحنا اتهمشنا». طريق الفنار هو طريق قامت المحافظة بإعادة رصفه وتطويره ويقع على أحد جوانبه مشروع الاستزراع السمكى الذى سوف يفتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال الأسابيع المقبلة وعلى الجانب الآخر الترعة الرشيدية الجديدة التى أولت لها المحافظة اهتماماً كبيراً، يراه الأهالى على حساب ترعتهم الرشيدية القديمة التى امتلأت على آخرها بالقمامة ومياه الصرف الصحى، فضلاً عن أن المسئولين أصبحوا يسلكون هذا الطريق ونسوا الطريق الداخلى القديم الذى تقع قراهم على أطرافه، ويقول: «من يوم ما طلع خط الفنار وإحنا اتهمشنا خالص، محدش بقى يشوف المسئولين». سؤال آخر طرحه «عبده» قائلاً: «محدش من المسئولين سأل نفسه الصرف الصحى بتاع القرى بيروح فين»؟ ثم يستطرد كلامه قائلاً: «الإجابة بسيطة يا إما يترمى فى البحر أو الترعة وبنرجع نشربوا تانى، ولو مشربناش منه الأرض بتاخده للزرع، تلوث رهيب، القرى دى بيفتكروها فى حالة واحدة لما حد يكون عنده غرامة أو مخالفات، قوات مقاتلة تجيب الراجل اللى عنده مخالفة، المياه جابت لنا فشل كلوى ولا حد يسأل فينا، لو ما اتردمتش الناس هنا كلها هتموت».