أحضر خمسة قرود، ضعها فى قفص، وعلق فيه حزمة موز. بعد مدة قصيرة ستجد أن قرداً سيحاول الوصول إلى الموز. ما أن يصل إليه أطلق رشاشاً من الماء البارد على القردة الأربعة الباقية وأرعبها! بعد قليل سيحاول قرد آخر أن يصل إلى الموز، كرر العملية نفسها، رش القردة الباقية بالماء. كرر العملية أكثر من مرة. بعد فترة ستجد أنه ما أن يحاول أى قرد الوصول إلى الموز ستمنعه المجموعة خوفاً من الماء البارد. أبعد قرداً من الخمسة إلى خارج القفص، وضع مكانه قرداً جديداً (ليكن اسمه سعدان) لم يشاهد رش الماء البارد، سرعان ما سيذهب إلى السلم لقطف الموز، ستهب مجموعة القردة لمنعه وستهاجمه. بعد أكثر من محاولة سيتعلم القرد الجديد أنه إذا حاول قطف الموز سينال (علقة قرداتية) من باقى أفراد المجموعة. أخرج قرداً آخر ممن عاصروا حوادث رش الماء، وأدخل قرداً جديداً عوضاً عنه، ستجد أن المشهد السابق يتكرر من جديد؛ القرد الجديد يذهب إلى الموز، والقردة الباقية تنهال عليه ضرباً لمنعه، بما فيهم سعدان، على الرغم من أنه لم يعاصر رش الماء. كرر هذا الأمر إلى أن تستبدل كل المجموعة القديمة ممن تعرضت لرش الماء بقرود جديدة! فى النهاية ستجد أن القردة ستستمر فى الانهيال ضرباً على كل من يجرؤ على الاقتراب من السلم.. لماذا؟ لا أحد منهم يدرى السبب! لكن هذا الإحساس والتصرف هو ما وجدت المجموعة نفسها عليه منذ أن جاءت. *** بالتمعن فى هذه القصة-التجربة سنكتشف العلاقة الوثيقة بينها وبين الكثير من الأمور التى تحدث لنا. سنرى أن الحياة مجرد مسرح لا يعرض سوى هذه المسرحية، وأن الأهل أول من يدربوننا على أن نكون «سعادين» ليس بقصد لكن بوعى مغيب تماماً. عند خروجنا للعالم الواسع سنبدأ فى ممارسة دور باقى القردة مع أول سعدان نلتقى به، وسنخاف دوماً من زخات مياه مجهولة المصدر قد تنهمر علينا من حيث لا ندرى، وقد نختار لأنفسنا دور ال«سعادين» مدى الحياة، هذا يعتمد على إمكانياتنا النفسية. ومع تقدم العمر واكتشاف اللعبة لن نتخلى عنها، لأننا أصبحنا أسرى لها، أو لأننا لا نعرف غيرها. إن معظم قراراتنا خاطئة، حتى قراراتنا الصائبة، لم تخضع للتعقل وإنما خضعت لتقليد خطى السابقين أو للصدفة البحتة. لا يتيح المجتمع لنا فرصة التفكير بطريقة مغايرة عما انتهجه منذ آلاف السنين. يهاجم المجتمع الفكر المختلف حتى يقتله أو يوصل صاحبه إلى الجنون، أو يبدأ صاحب الفكر المغاير فى تدجين نفسه بنفسه تحت مسمى التكيف مع المحيطين. كما قال مارك توين: «صاحب الفكرة الجديدة مجرم حتى تُكتب لفكرته النجاح». قليلون فقط من استطاعوا الثبات على ما ارتأوه صائباً حين خالفوا رأى الغالبية. واجهوا بتريث اتهامهم بالجنون، وتصدوا للجاهلين بها حتى نشروها، لكن الباقين عادة يستوحشون الطريق الجديد لقلة سالكيه أو ندرتهم، أو خوفاً من الجديد، أو قلقاً من مخالفة المألوف. اندمجوا فى الجموع حتى تأهلوا بجدارة لتبنّى الفكر المكرر -الذى قد يكون خاطئاً أيضاً- لا يهم فى هذه الحالة سوى البقاء على الشرعية العتيقة للجماعة!