وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 17-5-2024 بالصاغة    «القاهرة الإخبارية»: تصعيد غير مسبوق بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي    الأونروا: عدد النازحين من رفح تجاوز 630 ألف مواطن    الأحد.. محمد النني يودع جماهير آرسنال    تحرير 179 محضرا تموينيا في حملات مكبرة على الأسواق والمخابز بالمنوفية    «جمارك القاهرة» تحبط محاولة تهريب 4 آلاف قرص مخدر    آخر كلمات الإعلامي الرياضي أحمد نوير قبل رحيله.. لحق بوالدته بعد 4 أشهر    عيد ميلاد عادل إمام.. قصة زعيم تربع على عرش الكوميديا    تكريم فتحي عبد الوهاب وسلوى محمد علي في ختام «الفيمتو آرت للأفلام القصيرة»    أحمد السقا يطمئن الجمهور على الحالة الصحية لأحمد رزق.. ماذا قال؟    تصدير 25 ألف طن بضائع عامة من ميناء دمياط    افتتاح عدد من المساجد بقرى صفط الخمار وبنى محمد سلطان بمركز المنيا    اندلاع حريق هائل داخل مخزن مراتب بالبدرشين    كيف ينظر المسئولون الأمريكيون إلى موقف إسرائيل من رفح الفلسطينية؟    أدنوك تؤكد أهمية تسخير الذكاء الاصطناعي لإتاحة فرص مهمة لقطاع الطاقة    خدمة في الجول - طرح تذاكر إياب نهائي دوري الأبطال بين الأهلي والترجي وأسعارها    مؤتمر جوارديولا: نود أن نتقدم على وست هام بثلاثية.. وأتذكر كلمات الناس بعدم تتويجي بالدوري    حصاد نشاط وزارة السياحة والآثار في أسبوع    هيئة الإسعاف: أسطول حضانات متنقل ينجح في نقل نحو 20 ألف طفل مبتسر خلال الثلث الأول من 2024    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    البنك المركزي الصيني يعتزم تخصيص 42 مليار دولار لشراء المساكن غير المباعة في الصين    باقي كم يوم على عيد الأضحى 2024؟    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    ضبط سائق بالدقهلية استولى على 3 ملايين جنيه من مواطنين بدعوى توظيفها    20 جامعة مصرية ضمن أفضل 2000 جامعة على مستوى العالم لعام 2024    آخر موعد لتلقي طلبات المنح دراسية لطلاب الثانوية العامة    توخيل يعلن نهاية مشواره مع بايرن ميونخ    كولر: الترجي فريق كبير.. وهذا ردي على أن الأهلي المرشح الأكبر    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    ما هو الدين الذي تعهد طارق الشناوي بسداده عندما شعر بقرب نهايته؟    إيرادات فيلم عالماشي تتراجع في شباك التذاكر.. كم حقق من إنطلاق عرضه؟    المفتي: "حياة كريمة" من خصوصيات مصر.. ويجوز التبرع لكل مؤسسة معتمدة من الدولة    خريطة الأسعار: ارتفاع الفول وتراجع اللحوم والذهب يعاود الصعود    وزير الإسكان: انتهاء القرعة العلنية لوحدات المرحلة التكميلية ب4 مدن جديدة    أيمن الجميل: مواقف مصر بقيادة الرئيس السيسي فى دعم الأشقاء العرب بطولية.. من المحيط إلى الخليج    كوريا الشمالية ترد على تدريبات جارتها الجنوبية بصاروخ بالستي.. تجاه البحر الشرقي    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    متحور كورونا الجديد الأشد خطورة.. مخاوف دولية وتحذير من «الصحة العالمية»    وفد اليونسكو يزور المتحف المصري الكبير    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    تفاصيل حادث الفنان جلال الزكي وسبب انقلاب سيارته    حركة فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي العائم منفذ لتهجير الفلسطينيين قسريا    بطولة العالم للإسكواش 2024.. هيمنة مصرية على نصف النهائى    افتتاح تطوير مسجد السيدة زينب وحصاد مشروع مستقبل مصر يتصدر نشاط السيسي الداخلي الأسبوعي    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    سنن يوم الجمعة.. الاغتسال ولبس أحسن الثياب والتطيب وقراءة سورة الكهف    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    محمد عبد الجليل: مباراة الأهلي والترجي ستكون مثل لعبة الشطرنج    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف بسمة الفيومي.. طريقة عمل الكرواسون المقلي    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايتى مع الخرفان
نشر في الوطن يوم 06 - 05 - 2013

فتحت عينىّ على الدنيا لأجد بقايا قطيع من الأغنام فى دارنا. كان الناس يصفونه قائلين: كان أوله فى بيتكم وآخره عند مدخل القرية. ومع هذه البقايا صرت راعياً صغيراً. كنت أخرج فى الصباح بنعجات قليلات وخروفين، لألتحق بقطيع كبير يضم كل أغنام القرية، ويقوده العم يوسف أبواسطاسى، الراعى العجوز الممشوق الصموت، الذى لا يكف عن الشرود والتأمل.
وزهوت بنفسى حين عرفت فى أول المدرسة أن كثيراً من رسل الله كانوا رعاة أغنام، فكنت أمعن النظر فى النعاج السارحة وراء العشب، وأتقافز من الفرح، وأنا أهشها يميناً ويساراً، فتميل مع العصا أينما ذهبت.
اختار العم يوسف خروفاً ضخماً وأعطاه القيادة. كان ذا قرنين منتفخين يرتفعان على رأسه كتاج، ثم ينيخان على عنقه إلى الخلف كحربتين ذاهبتين إلى غمدهما، وما إن يخرج القطيع من فوهة القرية بعد أن تتجمع أشتاته من مختلف البيوت، حتى يقدم هذا الخروف ماضياً خلف العم يوسف، وهو يمشى على مهل، وقد وضع عصاه على كتفيه، فيتبعه القطيع فى عمى، لا يحيد عن الطريق.
أما أنا وبعض رفاقى الصغار فكنا نمشى فى الخلف، وتضيع أجسامنا فى عجيج هائل، وآذاننا تتابع همهمات الغنم الذاهبة إلى حيث يكون الكلأ، وهى تتزاحم وتتهارش فيدخل الصوف فى الصوف، ويبدو القطيع وكأنه قد صار كتلة لحم ضخمة رجراجة.
كنا أحياناً نغمض أعيننا ونمشى، والعصى التى فى أيدينا ممدودة إلى الأمام، ومستقرة على ظهور النعاج، أو مغروسة فى تلافيف الفراء، وخطواتنا مضبوطة على سير القطيع، حتى نبلغ المراعى، فيسرع الخروف القائد نحوها، وتجرى النعاج وبقية الخراف خلفه، فتترك الأرض وراءها سوداء لا شىء فيها.
أحببت الغنم، لكنى كرهت أن أكون مثلها، وزادت هذه الكراهية يوم أن هجم الذئب على أطراف القطيع والعم يوسف نائم، ونحن لاهون نلعب «السيجة». أمسك حملاً صغيراً بفكيه الحادين، وراح ينهشه على مسافة من الخروف القائد، وبقية الخراف والنعاج. وقف كل القطيع عاجزاً يرتعد، ولو أن الكباش هجمت عليه بقرونها الطويلة المسنونة، لربما أنزلت الرعب فى صدره، وفر هارباً لا يلوى على شىء. صرخنا واستيقظ العم، وجاءت الكلاب متأخرة، فضاع الحمل، وعاد القطيع إلى مكانه بعد أن طردنا الذئب، يجترّ ما تبقى فى أجوافه، وكأن شيئاً لم يحدث.
وكان معنا طفل اسمه «أسعد» استغنى عن رأسه، يفعل ما يُطلب منه دون أن يتوقف بُرهة ليسأل عن شىء. أرسله ذات مرة العم يوسف ليشترى «شاى وسكر»، وجلس ينتظره على أحرّ من الجمر الذى أوقده أمامه، ودفن داخله براداً يغلى بماء أبيض، لكنه عاد بعد ساعة ومعه قرطاس كبير مملوء بالسكر، وليس معه الشاى، وحين سألناه، قال: أنتم قلتم هات شاى «الشيخ الشريب» -وكان نوعاً شهيراً فى هذه الأيام- فلم أجده فى أى دكان، ووجدت أصنافاً أخرى.
وهكذا كان يسير على المنوال ذاته فى أى مهمة يُكلف بها، لا يعمل إلا بما سمعه، ويطيع ما يُقال له دون أدنى تفكير، وضاق به العم يوسف فكان يناديه دوماً: يا خروف، ثم وجد له عملاً يليق به. ناداه ذات صباح فذهب إليه مسرعاً، وقف أمامه ورفع عينيه وهزّ رأسه منتظراً ما سيؤمر به، فقال له:
- هل ترى الخروف القائد؟
- أراه.
- وظيفتك منذ اليوم أن تمشى إلى جانبه، والغنم وراءكما.
- لِمَ؟
- يلزمنا خروفان من قدام.
وتذمرنا نحن الأولاد على ما لحق بصاحبنا، وهممنا أن نعترض، لكننا وجدناه يرقص فرحاً على مهمته الجديدة، ويجرى مسرعاً حتى وصل إلى الأمام، ثم أناخ بجسده قليلاً وهو يمشى، حتى أصبح ظهره فى مستوى ظهر الخروف، ثم مأمأ، وانطلق فى ضحك هستيرى، بعد أن ألقى العصا على جانب الطريق.
وبعد يومين رقّ قلب العم يوسف له، فناداه، وطبع قبلة على جبينه، وخصه بقطعة من الحلوى دسها فى يده، وقال له:
- عُد لتمشى مع أصحابك، أنا كنت أهذر معك.
ففوجئ به ينزع الحلوى من بين لسانه وفكيه، ويصرخ وتنهمر دموعه غزيرة ساخنة، ويضرب قدميه فى الأرض، ويقول:
- لا.. لا.
فربت الرجل كتفه، وهز رأسه، ونظر إليه ملياً فى شفقة، مستعيداً كل ما سمعه عن حكايات القهر التى يكابدها مع أبيه صاحب الصوت الأجش والكرش الكبير، وقال له:
- خلاص يا أسعد، زى ما تحب.
وفى يوم، مرض العم يوسف، وخرجنا بالقطيع نحو الخلاء. كان «أسعد» إلى جانب الكبش الكبير فى المقدمة، ونحن فى الخلف نهش على الشاردة والتائهة والكسولة، وكنا نسير فوق جسر عالٍ، وننظر إلى البركة الآسنة الممتدة تحت أعيننا، والبوص الواقف على جنباتها يدارى دجاج الماء والشرشير، وفجأة جفل الخروف القائد حين وقعت عيناه على سرب من الشرشير متكوم بعضه فوق بعض، فظنه ذئباً رابضاً، ووجدناه من الهلع يرمى بجسده من فوق المنحدر باتجاه السرب، وفى اللحظة نفسها كان «أسعد» يسابقه نحو الهاوية، ومن ورائه كل القطيع.
نقلا عن «المصرى اليوم»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.