الفتنة الطائفية والاقتصاد المنهك والأمن المنفلت.. 3 أزمات تنخر فى جسد الوطن، تهدد استقراره ولا تنبئ بخير على المدى القريب، فالاقتصاد والأمن والمواطنة 3 ملفات مفصلية، وإهمالها يعنى المزيد من المشكلات التى تقع على كاهل النظام. فقد طالبت ثورة 25 يناير، ضمن ما طالبت به، بإعادة هيكلة الاقتصاد المصرى بشكل ينعكس على الأوضاع الاجتماعية للمصريين، وعندما تمكنت الثورة من إزاحة «مبارك» عن كرسى الرئاسة، بات منتظراً من الرئيس الجديد وحزبه الحاكم خلق بيئة اقتصادية ترتقى بأوضاع المواطن المصرى. الخبير الاقتصادى الدكتور عبدالخالق فاروق، أجاب مباشرة عن سؤال «ما مصير مصر فى ظل توجهات الإخوان الاقتصادية؟»، بأن الإخوان إذا استقرت الأمور لهم، سيأخذون مصر إلى نفس الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التى كانت سائدة أيام مبارك. ويضيف مدير مركز النيل للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية أن الفقراء ليسوا على جدول أعمال الجماعة، حتى إن تحدثوا كثيرا عن العدالة الاجتماعية، فالعبرة ليست بالكلام، لكن الإخوان معادون لفكرة التخطيط، فعالم الاقتصاد البارز «جيرالد ماير» قال صراحة إن الرأسمالية -التى يتبناها الإخوان- لم تكن أبدا منصفة للفقراء. ورفض عالم الاقتصاد المصرى البارز الدكتور محمد دويدار الإجابة، مؤكدا أن التنظيم لم يطرح أساسا، شفاهة أو كتابة، أى تصور للاقتصاد. وقال «كل ما نعرفه عنهم هو تعهدهم للغرب بالالتزام باقتصاد السوق الحرة، وعدم وضع أى تحفظات على إدماج اقتصادنا المريض بالاقتصاد العالمى». وعن مشروع النهضة، أكد أنه لا يعرف عنه شيئا. وحتى لو كان هناك مشروع فلم يتحقق منه شىء، مذكرا بوعود ال100 يوم الأولى، التى قيل إنها جزء من النهضة، موضحاً أن هذه الوعود لم تتحقق رغم مرور نحو 300 يوم. ويوضح «دويدار» أن الاقتصاد فى أى دولة يدار بمستويين، الأول رؤية استراتيجية طويلة الأمد، والثانى الإدارة الجارية للاقتصاد من يوم ليوم. وهو يرى أن الإخوان لم يضعوا رؤية طويلة الأجل حتى الآن، ويكتفون بالإدارة اليومية للاقتصاد، وحتى على هذا المستوى هم مرتبكون جدا، ويتركون الأمور على عواهنها. وحتى مشروع الصكوك -الذى حاولوا تسويقه تحت لافتة الإسلام- غير واضح المعالم. وأبدى «دويدار» دهشته من تذرع الإخوان بأنهم لم يُمنحوا الفرصة الكافية، مؤكدا أنهم يمارسون السلطة فى قطاعات كثيرة من الدولة، فما الذى يمنعهم من وضع تصوراتهم الاقتصادية؟ ثم إنهم شاركوا فى وضع موازنة العام الماضى، ويضعون الآن موازنة العام الجديد، وتصورهم لم يختلف فى أولوياته عن الموازنات السابقة، خلال السنوات ال10 الأخيرة، التى تميزت بالإهمال النسبى للتعليم والصحة العامة، والفشل فى توفير الخدمات الأساسية للمواطنين. واتفق الدكتور مصطفى السعيد، وزير الاقتصاد الأسبق، مع «دويدار»، فى أنه أيضاً لا يعرف برنامجا محددا للإخوان حتى الآن. مضيفا أنه كثيرا ما يسمع الإخوان يقولون إنهم ملتزمون باقتصاد السوق، وهذا لا يعنى الكثير، لأن اقتصاد السوق أنواع كثيرة، وعليهم أن يحددوا موقفهم من قضايا أساسية، مثل دور الدولة فى الاقتصاد والتنمية، وموقفهم من العدالة الاجتماعية وأساليبها، والموقف من القطاع العام والخصخصة. وتابع «السعيد»: كل ما نسمعه منهم كلام فضفاض عن استثمارات ونهضة، لكن الملاحظ على الأرض أن كل ما يشغلهم هو الحصول على النقد الأجنبى من كافة المصادر المتاحة، لتوفير السلع الأساسية لتجنب أى اضطرابات فى الشارع. ويأتى مشروع الصكوك كواحد من محاولاتهم المستميتة للحصول على هذا النقد (فى شكل معونات وقروض.. إلخ). خطف الأطفال، وسرقة السيارات، والقتل الغامض، وتثبيت المواطنين فى الطرقات، وازدهار تجارة الآثار، والبلطجة.. جرائم بعضها وليد الانفلات الأمنى الذى تزامن مع أحداث ثورة يناير، والبعض الآخر ازدهر فى ظل هذا الانفلات المدعوم بغياب القانون وضعف جهاز الشرطة، وتفاقمت الأزمة فى الشارع المصرى، وتسابق مرشحو الرئاسة على تقديم الوعود للناخبين من أجل عودة الأمن المفقود فى أقل فترة ممكنة، قدروها بالأيام المعدودة وشهور محددة. وبالنسبة للأمن، فإن أول وعود الإخوان، على لسان مرشحهم الرئاسى محمد مرسى، كان تحقيقه خلال 100 يوم، وقال مرسى وقتها: «يحتاج إلى قرارات فعلية حاسمة»، مؤكدا أن عودة الأمن للشارع وشعور المواطن بالأمان، سيتحققان خلال ال100 يوم الأولى من حكمه، التى سرعان ما انتهت، دون أن يقضى على الانفلات الأمنى كما وعد. «الأمن شارك فى قتل ابنى».. بهذه الكلمات اتهم الأب حسن فتحى، الشرطة، فى التسبب فى أوضاع الأمن المتراجعة؛ التى سقط ابنه قتيلاً بسببها: «تامر ابنى سافر إيطاليا بشكل غير شرعى لمدة 5 سنوات، بعدها قدر يجمع مبلغ جاب به ميكروباص ورجع مصر يشتغل عليه، ويصرف على أسرته، لكن فى يوم طلع علينا 3 ملثمين بأسلحة حاولوا يوقفونا بالميكروباص على الطريق، منعت تامر من الوقوف فبدأوا يضربوا علينا نار، رصاصة أصابت أيمن تحت كتفه اليمين». يصمت الأب لبرهة محاولا التماسك وتجفيف دموعه، ليعود للحديث قائلا «مات تامر وأولاده لم يدخلوا المدرسة، وتمكن اللصوص الثلاثة من الهروب». «10 أشهر قضاها الرئيس مرسى فى الحكم، ولم يستطع أن يعيد الأمن إلى الشارع ويجبر رجال الشرطة على ممارسة عملهم كما كانوا قبل الثورة».. يروى خالد رضا (35 عاما) الحادث الذى تعرض له فى بداية شهر أبريل، حيث كان فى طريقه إلى عمله ماراً بشارع صلاح سالم، أمام مقابر الغفير فى الثامنة صباحا، فإذا بدراجة بخارية يعتليها شخصان استوقفاه لسؤاله عن الوقت، فلما أخرج الموبايل، هدده الشاب الجالس خلف قائد الدراجة بسلاح، وسرق كل ما لديه من محفظة جيب، وهاتف محمول و300 جنيه، هى كل ما كان لديه وقتها، وانطلقت بعد ذلك الدراجة النارية دون أن يعترضها أحد، ويقول «معملتش محضر فى القسم لأنى عارف نتيجته مسبقاً، وعارف إن الشرطة مش هتعمل لى حاجة». ويرجع الخبير الأمنى محمود قطرى استمرار الانفلات الأمنى والفشل فى تحقيق الأمن بالشارع، إلى انعدام الخبرة الأمنية للرئيس، وغياب الثقافة الأمنية عن الفريق الرئاسى، ويضاف إلى ذلك الأزمات التى أصابت وزارة الداخلية منذ أحداث ثورة 25 يناير، والتى لم تتعافَ منها حتى الآن، موضحاً أن التغييرات التى حدثت فى الداخلية لم تتجاوز شخص الوزير، بينما السياسات لم تتغير، هى نفسها سياسات حبيب العادلى التى تدار بها الوزارة. ويرى «قطرى» أن إقحام الشرطة فى السياسة يعود بالسلب على أدائها الأمنى فى الشارع، ويزيد من التوتر السياسى على الدولة وانقسام القوى السياسية منذ وصول مرسى إلى رئاسة الجمهورية، موضحاً أن تغيير الداخلية وقدرتها على إعادة سيطرتها على الشارع وفرض الأمن يحتاجان إلى إرادة سياسية تدعم هذا الاتجاه وتسانده دون إقحام الشرطة فى أى خلافات سياسية، وكذلك إزالة الاحتقان بين ضباط الشرطة وأفرادها ومن جهة أخرى بين جهاز الشرطة والشعب خاصة لأنها قائمة على الكراهية من الطرفين. الأزمة الطائفية انعكست على بعض المواطنين الأقباط، فيقول المواطن القبطى لبيب عزت: «فى عز جبروت النظام السابق لم يكن يجرؤ شخص على الاقتراب من كيان يمثل أقباط مصر ودول عدة، فيما صارت الكنيسة الأم مرصدا للدولة تُصوب تِجاههَا القمع»، بخفة ظل يقول «الكاتدرائية دى عاملة زى الوحوش اللى فى ألعاب الرعب.. لما تضّرب ده معناه إن مفيش حاجة تانية تتعمل.. على طول بتنزل كلمة النهاية». «دلوقتى باحس إن أنا مغترب مش فى بلدى.. مش على حسابات النظام ومجرد مواطن درجة تانية». بعد 4 أشهر يسافر «لبيب»، الذى يهوى الإخراج المسرحى، إلى فرنسا للحصول على منحة هناك، تراوده الوساوس فى عدم العودة للبلاد: «عايز أعيش فى مكان يعاملنى كإنسان.. حد يهتم بيا لمجرد وجودى فى الكون».