نحن نعيش فى زمن اللامعقول. فاكرين إسماعيل ياسين فى «مستشفى المجانين» لما مر على واحد واضع أذنه على الحيطة باهتمام شديد وطلب منه أن ينصت؛ فحاول أن ينصت ثم قال: إيه ده دانا مش سامع حاجة؟ فرد عليه صاحبنا المجنون متعجباً: ما هو ده اللى مجننى؟ وقبل أن نستيقظ من مفاجأة المفارقة يفاجئنا الراجل التخين، الذى لا أعرف اسمه، ليضرب إسماعيل ياسين ويقول له: «سامحنى يا سى لطفى، أصل أنا عندى شعرة ساعة تروح وساعة تيجى، ساعة تروح وساعة تيجى». وهو نفس الرجل التخين اللى طلع مع إسماعيل ياسين فى فيلم آخر يقوم فيه بدور صبى الحانوتى؛ فيوجه له النصائح بصوت أخنف مميز وهو يحلق ذقن المتوفى، فيقول له: «اطلع فوق... فوق... لأ.. تحت... تحت... كمان... كمان.. يييه: ده أنت حاجة نيلة أوى»، ومرة وجده إسماعيل ياسين وفمه يملؤه اللون الأحمر: فيسأله إسماعيل ياسين: هو أنت أكلت الميت؟ فيقول له: «لأ، دى منبة منبة يا معنمى، والله العظيم منبة». وطبعاً هو يقصد «مربى» إنما هو يقولها بطريقته. اضحكوا أرجوكم، ولا تفقدوا روح المرح والدعابة، أعرف أصدقاء أخذوا الموضوع بجدية أكثر من اللازم فأصابهم الضغط والسكر. اضحكوا لأن أمامنا مشاكل كثيرة ومواقف تبعث على الاستغراب، شاهدوها وكأنكم تشاهدون أفلام إسماعيل ياسين. مرة ناس رفضت قرض صندوق النقد الدولى لما كانوا فى البرلمان علشان ربا، ولما وصلوا للوزارة يلحون فى الحصول عليه علشان مش ربا ده مصاريف إدارية... مش قلت لكم: منبة، منبة يا معنمى. مرة ناس رفضت تعديلات دستور 1971 وقالت عنه إنه دستور ساقط وغير قابل للترقيع ويصنع فرعوناً جديداً، وبعد ما طلع دستور جديد يحد من سلطات رئيس الجمهورية أكثر منه، عادوا وقالوا نطالب بعودة دستور 1971 بتعديلاته التى كانوا قد رفضوها. مع أنه وفقاً لدستور 1971 كان زمان رئيس الجمهورية مسيطر على المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية العليا ومغير النائب العام ومغير شيخ الأزهر وعامل قانون لانتخابات مجلس الشعب وتقسيم الدوائر على مزاجه. مش قلت لكم: منبة، منبة يا معنمى. مرة واحد خايف على استقلال القضاء من تدخل الرئيس المصرى فيه، راح طالب من الرئيس الأمريكى التدخل فيه. مش قلت لكم: منبة، منبة يا معنمى. مرة جبهة إنقاذ دولة وجدت وزيراً يعمل بجدية لخدمة المواطنين، فاشترطت أن يستقيل حتى تدخل الانتخابات. فكان السؤال: هى تريد إنقاذ المواطن الذى يحتاج كفاءة الوزير أم هى تريد إنقاذ نفسها من وزير ممكن يحقق لمنافسيها بعض الشعبية بعد الأداء الضعيف فى أغلب المجالات؟ مش قلت لكم: منبة، منبة يا معنمى. مرة شوية ناس ديمقراطيين طالبوا الجيش بألا يترك السلطة بسرعة علشان يستعدوا للانتخابات، ولما الجيش صدقهم وأجل الانتخابات، نزلوا ضربوه علشان أجّل الانتخابات، ولما سلم السلطة وحصلت انتخابات جاء الإخوان، فاتهموا الجيش بأنه سلم البلد للإخوان وأنه لازم يصلح غلطته ويتجوزها... آسف يصلح غلطته وينقلب على نتيجة الانتخابات علشان يعمل ديمقراطية جديدة تحت حكم العسكر. ولما الجيش يرفض، يتهمونه بالخيانة. مش قلت لكم: منبة، منبة يا معنمى. مرة رئيس جمهورية وجد أناساً يحتجون فى منطقة ما، فقرر إعلان الحظر، فنزل الناس فى الشوارع يحتفلون بالحظر ويتسابقون فى مباراة كرة قدم على «كأس الحظر» تحت شعار: «ساعة الحظر ما تتعوضش»، فيعمل إيه الرئيس؟ يفوض المحافظين فى تقليل ساعات الحظر اللى هو مش موجود أصلاً وكأن فيه حظر. مش قلت لكم: منبة، منبة يا معنمى. نابليون بونابرت كانت عنده عادة كلما فتح مدينة غازياً يأمر بأن تدق أجراس الكنائس احتفالاً بانتصاره. مرة دخل إحدى المدن، ولم يسمع أجراس الكنائس تدق، فسأل لماذا؟. قال أحد مساعديه، الحقيقة أن هناك أربعة أسباب لعدم دق الأجراس: الأول أنه لا توجد أجراس فى الكنيسة؟ أما السبب الثانى... فاستوقفه «نابليون»، قائلاً: هذا السبب وحده كافٍ. وبنفس المنطق: طيب لماذا لا يفكر السياسيون المصريون بالعقل؟ ما هو ده اللى مجننى. وبعدين يقولون لى: هو أنت ليه لا تؤيد أحداً تأييداً صريحاً؟ طيب قولوا لى من ترونه يستحق التأييد وأنا أؤيده؟