سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"دكرنس" .. مدينة غارقة في مستنقعات المجاري ..ومواطنون يدخلون منازلهم من السطوح ..و17 هبوطاً أرضياً في 10 أشهر إهدار 150 مليون جنيه على شبكة صرف صحى انهارت فى 5 سنوات.. والأهالى يقدمون 70 شكوى لمجلس المدينة ويحررون 20 محضراً دون استجابة
توقع سكان مدينة دكرنس فى محافظة الدقهلية أن تنتهى معاناتهم اليومية مع مياه المجارى بعد الانتهاء من مشروع الصرف الصحى الجديد بتكلفة تقدر ب150 مليون جنيه، لكن فرحتهم لم تدم طويلاً، إذ باتت الشوارع الغارقة بمياه المجارى مشهداً معتاداً فى هذه المدينة بعد 5 سنوات فقط من تشغيل المشروع الذى نتج عنه 17 هبوطا أرضياً منذ شهر يونيو الماضى. وتزايدت شكاوى المواطنين مع تفاقم الوضع فى منتصف عام 2012 وتنصل الجهات الحكومية والتنفيذية من المشكلة، فالهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى تلقى اللوم على عوامل خارجة على نطاق مسئوليتها، وتلقى المحافظة باللوم على الهيئة القومية لأنها المسئولة عن التنفيذ، فى حين يؤكد خبراء أن أخطاء فى التصميم والتنفيذ هى السبب فيما آلت إليه الأوضاع. حين بدأ العمل فى المشروع بتمويل من وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة (وزارة المرافق حالياً) شعر سكان المدينة بالتفاؤل لأنه سيكون لديهم أخيراً خدمة جيدة للصرف الصحى بعد أن تآكلت الشبكة القديمة التى يرجع عمرها إلى 60 عاماً ولم تعد قادرة على مواكبة الزيادة السكانية، لكنهم أصبحوا الآن يتحسرون على تلك الشبكة القديمة المتهالكة بعد أن حول المشروع الجديد مدينتهم إلى مستنقعات من الماء الآسن كريه الرائحة، ويهدد بتشريدهم من مساكنهم التى أصبح بعضها آيلاً للسقوط. فمنذ 7 شهور، يستخدم «حسن حسين شريف»، المدير العام بمديرية التموين، سطح العمارة المجاورة أحياناً فى الخروج والدخول إلى مسكنه لأنه لا يستطيع استخدام مدخل منزله الذى يمتلئ بمياه الصرف الصحى بين وقت وآخر، ويقول إنه كلما تم شفط المياه من أمام المنزل، عادت مرة أخرى حتى أصبح منزله آيلاً للسقوط، ويتذكر قائلاً: «الشبكة القديمة كانت منشأة بطرق بدائية.. ومع ذلك لم تحدث فيها انهيارات ولم تتعرض بيوتنا للأذى، أما الآن، فشبكة الصرف الصحى أنشئت بملايين الجنيهات وتهدد حياتنا وحياة أولادنا وأصبحنا مهددين بالتشرد». واحدة من أحدث الشكاوى وصلت إلى الإدارة الهندسية فى مجلس المدينة صباح يوم الأحد 27/ 1/ 2013، حين اتصل الدكتور عصام ميخائيل، مسئول كنيسة السيدة العذراء مريم، فى وسط المدينة بالشرطة والجهاز المسئول فى مجلس المدينة بعد أن حاصرت مياه الصرف الصحى المتدفقة بغزارة ساحة الكنيسة. ولم تكن هذه هى الحادثة الأولى لطفح الصرف الصحى فى شوارع تلك المدينة التى تقع فى شرق محافظة الدقهلية ويقطنها نحو 100 ألف نسمة، ولن تكون الأخيرة، فمنذ شهر يونيو الماضى وحتى اليوم تم تسجيل 70 شكوى فى مجلس المدينة و20 محضراً بالشرطة دون أن يحرك أحد ساكناً، أما فى السنوات الخمس الأولى من تشغيل الشبكة الجديدة، فلم تحدث انهيارات بل مجرد بوادر على المشكلة مثل تشققات بسيطة فى بعض المبانى. قامت لجنة فنية من محافظة الدقهلية بمعاينة موقع الكنيسة وتعهدت الشركة المنفذة بعمل الإصلاحات اللازمة فى شبكة الصرف الصحى أمام الكنيسة وبدأت بالفعل عمليات الحفر، وهو ما يتكرر فى مناطق أخرى من المدينة منذ بدأت حوادث الهبوط فى الشوارع. يقول الدكتور ميخائيل إن الشركة المنفذة بدأت أعمالها بالحفر لعمق 7 أمتار حتى تصل إلى خط الصرف الصحى، ويشير بحسرة إلى التشققات التى تزداد اتساعاً كل يوم وتفصل المنارة الآن عن مبنى الكنيسة قائلاً: «كلما زاد الحفر تظهر تشققات فى مبنى الكنيسة والمبانى المجاورة التى بدأت تميل أيضاً تجاه الحفرة العميقة، وأصبح السكان ينتظرون كل يوم انهيار منازلهم». لم ينتظر جعفر الزهيرى، وهو أحد جيران الكنيسة، إلى أن ينهار منزله، فقام بتحرير محضر بالشرطة ضد الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى كى يثبت الهبوط الكبير الذى أصاب منزله والتشققات التى تتسع كل يوم، ويقول: «قمت بعمل إثبات حالة فى مركز الشرطة وطلبت لجنة هندسية من مجلس المدينة عاينت العقار على الطبيعة وأثبتت التصدعات وقالت فى تقريرها إنه توجد تصدعات نتيجة هبوط فى شبكة الصرف الصحى». ويتساءل الزهيرى: «لا نعرف ماذا سنفعل ولا أين سنذهب وكيف نترك بيتنا؟» ويتيح القانون لأى مواطن يتعرض عقاره لأضرار بسبب خطأ الشركة المنفذة المطالبة بتعويض وإعادة بناء العقار، لكن هذا لا يحدث إلا بعد رفع دعاوى قضائية ربما تستغرق سنوات. مع تصاعد المشكلة، تم تكليف المهندس محمد رجب الزغبى، رئيس القطاعات الفنية بشركة «الدقهلية لمياه الشرب والصرف الصحى» -وهى الجهة المسئولة عن تشغيل الشبكة- بإعداد تقرير فنى عن حالة المشروع انتهى فيه إلى تسرب مياه الصرف من الأنابيب التى تتعرض للكسر بسبب انهيار التربة تحتها لعدم اتخاذ عوامل الأمان الهندسية المحيطة بالأنابيب «مما يؤدى إلى تفريغ فى التربة وما يتبع ذلك من انهيارات أرضية مفاجئة». وحذر الزغبى فى تقريره، الذى أعده فى شهر يناير الماضى، من تأثير الهبوط على العمارات السكنية التى تقع فى مناطق مرور أنابيب الصرف الصحى على عمق يزيد على 6 أمتار «فاحتمالات الخطورة على أساسات تلك المبانى أمر وارد». وهاجم الزغبى «ضعف الرقابة» من قبل الجهة المشرفة، وهى الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى وسوء التنفيذ من جانب الجهة المنفذة للمشروع من الباطن والتى أسند إليها أعمال المشروع «بالأمر المباشر بالمخالفة للقانون». وتقر الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى بأن أعمال المشروع أسندت للشركة المنفذة بالأمر المباشر وفقاً لقرار من رئيس الوزراء حينها والذى يتيح له القانون ذلك. لكن الهيئة القومية تنفى مسئوليتها عن أى عيوب فى تنفيذ المشروع، ويرجع رئيس الهيئة عن محافظتى الدقهلية وكفر الشيخ، المهندس فرج زكى عطية ما تشهده «دكرنس» من مستنقعات الصرف الصحى إلى «مرور سيارات النقل الثقيل وعيوب فى حنفيات الحريق»، قائلاً إن تسرب المياه الشديد من حنفيات الحريق أدى إلى تخلخل التربة تحت أنابيب الصرف الصحى وكسرها. ويفند أحد الخبراء تصريحات المهندس عطية، قائلاً: إن أى مشروع لا بد أن يراعى الأحمال المتوقعة فضلاً عن أن السيارات الثقيلة كانت تمر فوق الشبكة القديمة دون أن تنهار، وقال المهندس الاستشارى، أحمد إبراهيم، مقرر لجنة الإسكان بنقابة المهندسين فى الدقهلية: «الأصول التصميمية الهندسية يجب أن تراعى الأحمال الناجمة عن السيارات بكافة أنواعها وكافة الأحمال المتوقعة، بالإضافة إلى أن بعض الشوارع الضيقة التى لا تمر عبرها سيارات ثقيلة حدث بها هبوط أيضاً». ولا يوجد فى المدينة كلها أكثر من 10 حنفيات حريق وجميعها لا يعمل، كما ذكر المهندس إبراهيم، متسائلاً: «إن حنفيات الحريق لا تعمل أساساً، فكيف تكون سبباً فى انهيار خطوط الصرف». تصرخ حسنية حسن عبدالرازق (55 عاماً) التى تسكن فى عقار بمنطقة ميت الحلوج فى المدينة، قائلة: «بيتى المكون من 3 طوابق وأسكنه أنا وأبنائى أصبح معرضاً للانهيار فى أى وقت، وكل يوم الشروخ تزداد مع زيادة الهبوط بالشارع». وتُظهر حسنية التقرير الفنى الصادر عن الإدارة الهندسية بمجلس المدينة عن حالة عقارها والذى يثبت ما به من «شروخ نافذة وهبوط بالأرضيات» نتيجة للهبوط فى الشارع، وأثبتت «حسنية» فى التقرير أن المتسبب فى حدوث الشروخ بمنزلها هو قيام الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى بالحفر العميق الذى يتجاوز 7 أمتار بجوار منزلها. أما جعفر موسى الزهيرى، رئيس الشئون القانونية فى دائرة الرى بالدقهلية وأحد سكان المدينة، فلم يكتف باستصدار تقارير فنية، بل حرر عدة محاضر فى مركز الشرطة ضد الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى، وعن شعور السكان بالقلق من المستقبل المجهول الذى ينتظرهم، يقول الزهيرى: «أصبحنا جميعا مهددين بالتشرد بعد الحالة التى وصلت إليها العقارات». وتمضى الإصلاحات بطيئة وتستمر معاناة السكان اليومية مع مياه الصرف الصحى، ويزيد «الزغبى» فى تقريره محذراً من أن «انهيار أنابيب الصرف الصحى سيؤدى أيضاً إلى احتمال تسرب مياه الصرف إلى أنابيب مياه الشرب واختلاطها بها». (تم إعداد هذا التقرير الإخبارى بدعم شبكة «أريج - إعلاميون من أجل صحافة استقصائية).