احتار العرب فى وصف «السفيه» الذين دعوا الله تعالى ألا يؤاخذهم بما فعله فيهم.. فتعددت التعريفات لشخص إن اتخذ هذه الصفة فكان الخراب على يديه لا محالة. يقول لسان العرب فى تعريف السفه إنه خفة الحلم، وقيل أيضاً نقيض الحلم، وقيل عن السفيه إنه الجاهل وإن السفه جهل، ويقال سفه فلان رأيه إذا جهله وكان رأيه مضطرباً لا استقامة له، وقيل إن السفيه هو المستخف بالحق وإنه لا يراه على ما هو عليه.. وسفيه نفسه هو من خسرها جهلاً، والسفيه أيضاً هو من يفتقد الرشد فى تدبير الأمور. وعندما تنظر إلى مصر التائهة فى ملامحها.. مصر المذلولة فى نهارها والمهمومة فى ليلها بأهرامات من الديون والعجز.. مصر التى جف أمنها والمهددة بأن يجف نيلها.. مصر التى تُمحى شخصيتها؛ كنيستها وأزهرها.. مصر التى تُسلخ من جلدها وحضارتها وفرعونيتها.. مصر التى حضنت فكرة الدولة منذ آلاف السنين وصهرتها.. وعلّمت العالم كيف تصنع وطناً.. وتبنى مجداً.. وتقدم علماً.. وتبدع فناً.. وتحفر فى الحجر تراثاً.. أصبحت مسخاً بلا مضمون.. يكون علينا إذن أن نتوقف أمام ما فعله السفهاء فينا.. ما فعله فينا جهلهم وخفة حلمهم ورأيهم المعوج المضطرب، الذين يختصرون الحق فيما يرون حتى وإن كان باطلاً، وتعمى أعينهم عن الحق إذا أتى به غيرهم ويحاربونه.. السفهاء الذين أضاعوا وطناً، وتأخذهم العزة بإثم سفههم.. أهل الطيش فى ثوب الوقار.. أهل الخسة فى ثوب العفة والفضيلة.. الذين إذا قيل لهم ارفعوا أيديكم عن تدمير مصر قالوا إنما نحن المصلحون.. العارفون.. العالمون.. الصادقون.. وإنما أنتم السفهاء الكاذبون. بعد أقل من ثلاثة أشهر يكون قد مر عام على الانتقال الديمقراطى للسلطة من المجلس العسكرى إلى أول رئيس مدنى منتخب لمصر بعد ثورة 25 يناير.. ويا له من وصف مهيب لمن يقدّره، ويا له من شرف لصاحبه.. ولكنه أيضاً يستحق مكاشفة ومحاسبة على نفس القدر من الهيبة والمهابة.. ويكون علينا أن نسأل السيد الرئيس: ماذا فعلت؟ ماذا أنجزت؟ وإذا كنت فشلت وأخفقت فمن هو المسئول؟ بعد عام: ما هو حال أمن أهل مصر يا سيادة الرئيس.. واقتصاد مصر يا فخامة الرئيس.. وعلاقات مصر الدولية ووضعها فى منطقتها العربية يا أيها الرئيس المعظم.. وحدتها الوطنية وتماسكها الاجتماعى يا ولىّ أمرنا.. أمنها القومى يا زعيمها.. ما لذى حدث لمصر والمصريين يا أيها الرئيس؟ من هم السفهاء يا رئيس مصر؟ استرجع فى ذاكرتك عاماً اقترب من الانتهاء وأعطنا الإجابة.. والبرهان.. والدليل.. اذكر لنا ما يستحق أن يُذكر ونحسبه إنجازاً.. أطلعنا على فعل تم وخطوة واحدة إلى الأمام.. أبهرنا بغرس حدث لمستقبل مثمر. وإلى أن تجيبنا إن أجبت.. وإلى أن تذكر إن ذكرت.. وإلى أن تخطو إن خطوت.. وإلى أن تغرس إن غرست.. فليس لنا إلا أن نكاشفك، وأن نتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء: «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فنعم المولى ونعم النصير».