فى لحظات عدة يغزونى اليأس.. أنظر إلى وطنى، فأجده ممزقاً بفعل فاعل.. تكاد دمعة حزن تفرّ من عينىّ.. ولكن رحمة الله -عز وجل- ترسل لى مواطناً بسيطاً، يحيل الدمعة إلى تيار جارف من الأمل..! شاهدتها على شاشة التليفزيون، فبكيت فرحاً وفخراً.. سيدة مصرية تشبه أختى وابنتك.. ترتدى حجاباً عادياً.. يفيض الوجه بحب البلد، وتعلوه ملامح صافية لا تختلف كثيراً عن قسمات الأرض فى بحرى وقبلى.. اسمها منى حمدى، موظفة مدنية فى مديرية أمن أسيوط، ظهرت على شاشة برنامج «مصر الجديدة» على قناة «الحياة» مساء أمس الأول.. ولأنه إعلامى متميز ومصرى حتى النخاع، تركها معتز الدمرداش تفضفض بحرية تامة.. وكانت «الفضفضة» طلقات وطنية فى وجه المتآمرين..! مَن الذى لا يحب «منى».. من الذى لا يستمع إليها مرتجفاً من فرط الصدق والجرأة.. من الذى لا يضرب لها تحية عسكرية، ويحملها فوق الرأس، ويضعها فى «نِنّ العين».. فما بالنا ومثلها فى مصر كثيرات، ولكن «قوى الظلام» تحارب من أجل وضعهن فى «قمقم» الجهل والتخلف.. يريدون نساءنا جاريات فراش فى سوق المتعة.. يريدون «منى» ومثيلاتها دون عقل.. دون وعى.. ودون لسان.. «منى» قالت لهم على الهواء مباشرة: «هيهات».. من الذى بمقدوره أن «يخرس» منى..؟! نظرت السيدة إلى الكاميرا.. وقالت بصدق الدنيا، وجرأة لا يقوى عليها رجال: «آسفين يا ريس.. آسفين يا ريس مرسى على ثقتنا فيك، حضرتك وعدتنا يوم ما الشعب يقول لك تمشى، هتمشى.. امشى يا ريس.. كفاية علينا كده، كفاية على الشعب كده»..! ولأنها تدرك أن أبناء وأشقاء لها دفعوا حياتهم ثمناً للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، قالت لابن مرسى الذى تعدى على ضابط شرطة: «مين فهّمك إن مصر عزبة أبوك والشعب ولاد الريس عبدالواحد.. إحنا قمنا بالثورة ليه؟!!!».. واستطردت، بينما ترك الدمرداش أوراقه وأنصت لطلقاتها: «آسفين يا ريس على اختيارنا ليك.. جيّالك ومحمّلة بدم ولادنا اللى لسه على القضيب بمنفلوط، ودم شبابنا ولحمه اللى اتهرس على قضبان السكة الحديد فى البدرشين.. علشان جايين يخدموا الوطن»..! ورغم أن «منى» موظفة مدنية بوزارة الداخلية، لم تتورع عن إطلاق رسالتها الصريحة للواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية الحالى، وبخفة دم المصريين، قالت: «أنا عارفة اللواء محمد إبراهيم من أيام ما كان مدير أمن عندنا.. ده شغلته فى الوزارة بورورروم، لأن أحمد جمال الدين كان «أستاذ» ومنح الثقة للضباط والأفراد وللكل، وحسّس الناس إن الأمن رجع، علشان كده مشّوه.. مشّوه علشان قال «لا»..! مثل «منى» ملايين يصرخون الآن: آسفين يا ريس.. ليس لمبارك الذى ذهب بلا رجعة، وإنما لرئيس «فريش» جاء إلى الحكم بأصوات ضعيفة للغاية، وليس بأكثرية مريحة أو أغلبية فارقة.. رئيس وعد وتعهد وأقسم بأغلظ الأيمان أن يكون خادماً للشعب، أو على أقل تقدير رئيساً لكل المصريين..! لم يفعل الرجل شيئاً لمن منحوه أصواتهم ومستقبلهم.. وإنما تفرغ لخدمة «جماعته» وتنفيذ مشروعها الخاص، حتى لو كان على جثة الوطن.. فلماذا لا تجأر «منى» بالشكوى؟!.. لماذا لا تصرخ بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن الملايين: «إحنا آسفين يا مرسى.. إحنا آسفين يا ابن مرسى.. كفاية علينا كده.. إحنا ليه قمنا بثورة؟!» «منى» ليست عضواً فى التيار الشعبى.. وليست قيادية فى «جبهة الإنقاذ».. وليست صحفية أو إعلامية مغرضة، تتلقى التمويل من الداخل والخارج -كما يزعم الإخوان- لتهدم بلدها.. «منى» مواطنة مصرية من أعماق الصعيد، جاءت إلينا بمعاناة تسكن الجميع، وهموم تقضّ المضاجع، وخوف على «بكرة» ليس كمثله خوف..! «منى» صرخة حق فى وجه سلطان جائر.. وكلمة صدق فى وجوه «جماعة» غاشمة.. ولكن من يسمع.. من ينصت.. من يفهم.. ومن يخاف الله؟! هل عرفتم الآن.. لماذا تسقط العروش فى لحظة؟!