موضوع الهجرة غير الشرعية موضوع معقد يصعب حله بمجرد إصدار قانون لمكافحة الظاهرة. أقول ذلك بمناسبة الدعوة التى وجهتها الرئاسة بالتنسيق مع مجلس النواب لإنهاء الإجراءات المتعلقة باعتماد قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية. فمع التسليم بأهمية وجود مثل هذا القانون، إلا أنه لن يكون العامل الأهم فى مواجهة هذه المشكلة، لأننا بالفعل أمام مشكلة بالغة التعقيد، تمس شباب هذا البلد بالدرجة الأولى. ولعلك تعلم أن أغلب ضحايا «مركب رشيد» من الشباب والأطفال!. فكرة «إما أن أعيش مثل من يهنأون بالعيش أو أموت» تمثل منطلقاً أساسياً، ليس لمن يسعون فى طريق الهجرة الشرعية وفقط، بل لكثيرين غيرهم. اجلس مع أى شاب واسأله، ما هو طموحك، ربما أجابك «الهجرة»!، وأخشى أن أقول ربما كانت تلك هى إجابة النسبة الغالبة من الشباب، بعضهم لا يعانى من أية مشكلات اقتصادية، مثل شبابنا فى القرى والنجوع ممن يريدون أن يهنأوا كما يهنأ غيرهم من الشباب المصرى الموسر، بل على العكس، ولكن يدفعهم إلى تبنى فكرة الهجرة أسباب أخرى، جوهرها اليأس من تحقيق شىء فى هذا البلد، وأنه يريد أن يهنأ كما يهنأ شباب أوروبا وأمريكا. أتصور أن مراكز البحوث الاجتماعية مطالبة بفحص هذا الأمر، وتقديم نتائج علمية حاسمة حوله، لأنه لو ثبت أن عينة كبيرة من الشباب تتبنى فكرة الهجرة، فسوف نكون أمام مشكلة حقيقية لا بد أن نواجهها بشجاعة. زمان كانت فكرة السفر من الأفكار التى تؤرق المصريين وتزعجهم أشد الإزعاج. بإمكانك فى هذا السياق أن تراجع العديد من الأغانى التى أنتجت فى الخمسينات والستينات عن موضوع السفر والتغرب عن الأهل والأحبة، وكيف صورت الأغانى إحساس الهم الثقيل والبؤس المقيم الذى يعانى منه المغترب. زمان كان المصريون يقولون «الغُربة كُربة»!، وما أكثر ما كنت تسمع من بعضهم «آكل عيش وملح فى بلدى ولا أتغرب»، كنا نسمع عن بشر تغربوا وكان أول شىء فعلوه عندما عادوا إلى هذا البلد أن قبّلوا ترابه. علينا أن نسأل أنفسنا بشجاعة: ماذا حدث لنسبة لا بأس بها من الشباب - على تنوع أوضاعهم ومستوياتهم الاقتصادية - فأصبحت الهجرة - وليس مجرد السفر لفترة - حلماً يطاردهم فى الصحو وفى المنام، تهون معه فكرة الانتماء ومحبة الأهل والصحبة، بل وتهون معه الحياة نفسها. هل ثمة أسباب جعلت هذا المجتمع طارداً لشبابه بهذه الصورة؟. قد تجيبنى قائلاً: الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية، أوافقك، لكن دعنى أذكرك أن أوضاعاً أسوأ من ذلك مرت على أجيال عديدة من المصريين، ولم تسيطر على شبابهم فكرة الهجرة بهذه الطريقة!. هل فكرة الهجرة التى احتلت عقول بعض الشباب ترتبط بثقافة العولمة وإفرازاتها؟. لقد استمعت إلى إحدى الأمهات التى فقدت ولدها فى مأساة «مركب رشيد» تجيب عن سؤال حول السبب الذى دفعها للموافقة على مجازفة ابنها قائلة: «الصور اللى كان بيبعتها أصحابه اللى هاجروا على الفيس بوك عن الأماكن اللى عايشين فيها». مطلوب من المراكز البحثية والجامعات أن تدرس هذه الظاهرة، ومطلوب من الدولة والمجتمع أن يستوعبا أنهما بعيدان كل البعد عن الشباب. وذلك خطر على الدولة وخطر على الشباب.. والله أرحم الراحمين!.