مت فى صمت، بكبرياء، فالمشيعون من خلفك يلعنون فقرك ويأسك وأوهامك.. أنت الملوم -وحدك- على رائحة الموت الكريهة التى تنبعث من أشلاء جثتك، على عار اختراق القانون والسعى خلف الثراء ب«هجرة غير شرعية»، أنت من كفرت باستصلاح الصحراء وتكبّرت على العمل بالمصانع وعجزت عن دفع جمع مقدم شقة فى «الإسكان الاجتماعى» أو تقديم «ضمانات» للحصول على قرض وبدء «مشروع صغير».. وحين امتلكت 30 ألف جنيه سلّمتها لسمسار الموت ثمناً لكفنك!. أنت الجاهل، ناكر الجميل، الذى تسرّب من «التعليم المجانى»، واستحمّ فى مياه «الترعة» دون أن يخشى دودة البلهارسيا ولا فيروس «سى».. فأضعت جهود «الحكومة الرشيدة» وأموال دافعى الضرائب، وفجّرت حالة «الحقد الطبقى» بين من يتابعون مشاهد غرقك على الشاشة ومن يعلنون فى الاستراحة (من زفرات الموت) عن المنتجعات السياحية والسلع الاستهلاكية.. إلى آخر ما تجلبه جثتك من طيور جارحة!. هل نظرت فى المرآة فظننت نفسك «أحمد زويل» أو «مجدى يعقوب»؟.. إنه الغباء -المكتوب عليك- هيَّأ لك هذا، وأوروبا التى حسبتها «الجنة الموعودة» لا تمنح جنسيتها لأمثالك.. لا تمنح جنسيتها إلا لاضطهاد (سياسى أو دينى) أو لنوابغ ومستثمرين.. أما من يُلقى بهم على شواطئ أوروبا فهناك عصابات تتلقفهم وتلقى بهم فى مزارع الفواكه يعيشون كالحيوانات ويتجمدون فى الشتاء، فى أسْر حقيقى وخوف أشد من الوقوع فى قبضة الشرطة. يقولون لك: «مصر أم الدنيا»، ثم يتندرون، (يبدو أنها فشلت فى تربية أولادها).. أنت مجرد «ملف ساخن» نختلف حوله، ونتشاجر بلكمات إدانتك وصفعات إدانة الحكومة حتى تأتينا «مصيبة تالية» فننساك. أنت مجرد «رقم» فى سجلات الأرقام القومية، «اسم» فى عدد وفيات حادث غرق مركب «رشيد»، «مانشيت» بارز فى جريدة تنحاز للفقراء وتتغذى بتمويل الأغنياء.. انظر خلفك: نحيب أبيك الخافت ولون الحداد الذى يلف أهلك هما الدليل الوحيد على أنك كنت يوماً «موجوداً». ليس من حقك أن تحلم فى بلد تسافر راقصاته لنيل الجنسية بالإنجاب فى أمريكا أو أوروبا.. ليس من حقك أن تخرج من دائرة الفقر والقهر والجهل. «آه يا ابن عمرى».. صرخة أم ملتاعة تحتضن ما تبقى من جثة ولدها، فى انتظار تحليل الDNA لتأخذ عزاه.. وأم أخرى تبكى ولدها الذى أخذته الحكومة لأنه خرق قانون الهجرة فى «فضيحة علنية».. فحكوماتنا لا تعرف الفرق بين المجرم والضحية، ولا تأخذها رحمة بأسر مديونة بسبب جريمة ابنها. الأمهات يتابعن فى ذعر روايات العائدين عن ثلاجة كبيرة، لحفظ ما تصطاده المراكب من أسماك، دخلها الشباب وأوصدوا أبواب العتمة عليهم، بينما المشاجرات تشتد حول من يصعد للمركب المهاجر من قوارب المصريين الصغيرة.. حتى غرق الأفارقة والمصريون معاً. جثث الأطفال تطفو على المياه، وعم «محمد أبوعامر» على رصيف الانتظار يعانى احتضاراً طويلاً، بحثاً عن جثث أولاده الأربعة.. وأسرة بكاملها دفعت 100 ألف جنيه تحولت طعاماً للأسماك.. والبعض لا يزال يسخر من طريقة موتهم. الشاب الذى راهن على قارب «الهجرة الشرعية» كان مطالباً بأن يسكن فى العشوائيات ويشرب مياه صرف صحى، وألا يسرق أو ينحرف أو ينضم لكيانات إرهابية، كان لا بد أن يكافح ويتعلم ويعمل، ويركب الأوتوبيس أو المترو ولا ينتظر من الحكومة وظيفة فى مكتب مكيف! منتهى الرفاهية أن يتحدث أحدكم عن «الموت» وهو يجلس على مقعد هزاز ويلعن بطء الإنترنت ويضع نظريات بلهاء فى الرأسمالية والاشتراكية.. دون أن يعلم شيئاً عن حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية. لا تستمع لطبقة ترفض رفع الجمارك على أكل (الكلاب والقطط) ولا تتضرر من قانون «القيمة المضافة»، ولا تقرأ إحصاءات ضحايا «الهجرة غير الشرعية»، أو تنتظر اعتماد قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية.. فقط تأمل مشهد «الضحية» -على سرير المرض- وفى يديه الكلابشات، وحاول أن تشعر بمأساة الفقير وهو يترنح بين قضبان الذل والعوز وقلة الحيلة.. وعليه أن يختار ما بين الموت جوعاً أو الانتحار على شاطئ الحلم!. فإن لم تشعر بمأساته.. اخرس. فأمام الموت.. كل الكلام باطل.