مؤشرات كثيرة تؤكد أن السياسة الأمريكية تدعم الرئيس مرسى وجماعته، فى إطار منح الإسلاميين المعتدلين فرصة للحكم فى دول الربيع العربى، وأسباب هذا الدعم كثيرة، منها أن الإخوان أكبر جماعة سياسية - دعوية فى الوطن العربى، وتتفق أفكارها ومواقفها مع الاقتصاد الحر والليبرالية الجديدة، ويمكنها لعب دور فى مواجهة «القاعدة» والجماعات الإسلاموية المتطرفة، والأهم شعبيتها وحسن تنظيمها، ما يجعلها قادرة على حفظ الاستقرار الداخلى، والأهم حماية مصالح أمريكا وأمن إسرائيل. بالطبع تصريحات المسئولين الأمريكيين عن احترام الديمقراطية الوليدة ونتائج الصندوق، لا يمكنها أن تخفى حقيقة أن الرهانات الأمريكية على «الجماعة» و«مرسى» تحركها بالأساس المصالح، لكن المفارقة أن «مرسى» وجماعته لم يحققا على الأرض أياً من الرهانات الأمريكية، بل تسببا فى مزيد من عدم الاستقرار وانقسام المجتمع والفوضى وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك لا يزال الدعم السياسى الأمريكى مستمراً ل«مرسى» وجماعته، من دون أن يوازيه دعم اقتصادى سواء من أمريكا أو دول الخليج، ربما باستثناء قطر التى لا يمكنها وحدها تحمُّل أعباء أزمة الاقتصاد المصرى، أى أن الدعم الاقتصادى أقل من المطلوب، لكنه يظل كافياً لعدم حدوث انهيار وفشل كامل للدولة، فى هذا الإطار يمكن طرح ثلاثة افتراضات: الأول: أن واشنطن لا تجد بديلاً عن الإخوان، أو لا تزال تبحث عن هذا البديل ولا تجده فى صفوف المعارضة المدنية المنقسمة والبعيدة عن الشارع. الثانى: عدم رغبتها فى الزج بالجيش مرة ثانية فى الساحة السياسية، لأن مهمته لن تكون سهلة، فهناك قيود على الجيش فى استخدام القوة ضد المدنيين. كما أن الأحزاب الإسلاموية ترفض عودته، إضافة إلى بعض الجماعات الثورية المدنية، ما قد يفجر حرباً أهلية، أو يخلق مزيداً من الفوضى. الثالث: أن استمرار الأزمة الحالية والصراع السياسى المرتبط بتوازن الضعف بين «الجماعة» والمعارضة يحقق مصالح واشنطن وإسرائيل، ف«الجماعة» والرئيس لا يمكنهما «أخونة» الدولة والمجتمع، والمعارضة وشباب الثورة لا يمكنهما الإطاحة بالرئيس، وبالتالى فإن استمرار الصراع بين الطرفين يهدر إمكانيات مصر ويبقيها ضعيفة اقتصادياً ومهددة بالفوضى، وبالتالى لا يمكنها قيادة العرب أو لعب دور إقليمى أو دولى مؤثر. لكن الافتراضين الأول والثانى يبالغان كثيراً فى تقدير دور واشنطن وقدرتها على تحريك الأحداث فى مصر، فهى التى تختار الفاعلين السياسيين وتحدد أدوارهم، وتتحكم فى مسار العملية السياسية، ولا شك أن واشنطن كان لها دور كبير فى ترتيب رحيل «مبارك» وتولى المجلس العسكرى وتسيير المرحلة الانتقالية، لكن يظل للشارع المصرى الثائر الدور الأهم، ولا يمكن إغفال تأثيره المتعاظم، وكذلك من غير المنطقى التسليم بأوهام تنشر فى الصحافة الأمريكية عن تبعية جنرالات الجيش لرغبات «البنتاجون»، لأن وطنية قواتنا المسلحة واستقلال قرارها حقيقة تاريخية لا تقبل التشكيك أو الطعن فيها. مشكلتى مع الافتراض الثالث أنه يراهن على قدرة واشنطن الهائلة على الحفاظ على توازن الضعف بين الإخوان والمعارضة من أجل استنزاف قدرات الاقتصاد والدولة المصرية، من دون أن يحدث انهيار أو ثورة جياع أو فوضى عارمة، أعتقد أنه رهان حرج وصعب للغاية، ويتجاوز قدرات وإمكانيات واشنطن المعلوماتية والاقتصادية والسياسية، فكيف يمكن دعم «مرسى» وجماعته سياسياً، والامتناع عن دعمه اقتصادياً أو تقديم دعم محدود يكفى لمنع انهيار الدولة وانفجار ثورة جياع؟، كيف يمكن القيام بذلك وضبطه أو التحكم فيه، فى ظل ظروف معيشية صعبة، وشارع ثائر يفرز عنفاً وإضرابات ووقفات احتجاجية -وصلت لجهاز الشرطة- وحالات عصيان مدنى. أعتقد أن واشنطن تعانى من الأزمة المصرية قدر استفادتها منها، وأنها مثل بقية أطراف الأزمة لا أحد منهم يعرف إلى أين تتجه الأحداث، ومن ثم فإن أفعاله قد لا تقود إلى النتائج التى يرغب فى تحقيقها، ما يعنى أننا إزاء حالة تتجاوز فيها الأزمة وتداعياتها قدرة وأفعال ورغبات كل الأطراف، فالأزمة تقود الجميع، ولا يمتلك أى طرف تصوراً دقيقاً عن مساراتها، والأخطر أن كل أو أغلب أطراف الأزمة غير قادرين على التعاون والعمل المشترك لإدارتها.