حكم ومعارضة، مشاركون فى الانتخابات ومقاطعون لها، سياسيون وشباب ونشطاء، مواطنات ومواطنون يعيشون فى الحضر والريف فى أوضاع تتدهور باستمرار وتوترات تتصاعد، جميعنا إما لا نملك حلولاً حقيقية للأزمة المصرية أو أعيانا البحث عن الحلول هذه ونغادر اليوم ساحة الشأن العام والسياسى بإحباط وألم. وإن لم يعدم المواطن المبررات الموضوعية والكثيرة التى تدفعه إلى العزوف عن الشأن العام، فليس لممارسى السياسة ولنشطاء المجتمع المدنى وللشباب ولأصحاب الرأى من مبرر موضوعى واحد لحالة العجز التى يعانون منها والتى تفاقم من الأزمة المصرية وتقارب بين الوطن وبين خطر انهيار العملية السياسية ونقطة اللاحكم أو عدم القدرة على إدارة الشأن العام وانهيار الدولة. لن أغوص اليوم فى مضامين وتفاصيل مسئولية الحكم وشرعيته الأخلاقية والشعبية المتهاوية على وقع انتهاكات حقوق الإنسان وقواعد السياسة غير العادلة. ولن أتناول حدود مسئولية المعارضة وهى لم تعرض بعد بديلاً حقيقياً ومتكاملاً على الشعب وتختزل أدواتها فى الاحتجاج والممانعة. ولن أعرض للأفق السياسى للحركات الشبابية والاحتجاجية الذى تغيب عنه وعلى نحو تصاعدى التزامات مبدئية بالسلمية وبنبذ العنف حتى فى مواجهة العنف الرسمى وتستر السلطات على انتهاكات حقوق الإنسان وتكرر الإفلات من العقاب. ولن أقدم نقداً جذرياً لمنتجى ومروجى خطاب استدعاء الجيش إلى السياسة، ومن ثم ضرب الآليات والأدوات الديمقراطية فى مقتل. فقد قدمت هذا من قبل ولست مع هذه الأمور اليوم، بل مع مصر التى تضيع منا ونقطة اللاحكم التى تقترب بسرعة وبطاقة تدميرية مرعبة. دعونا كممارسين للسياسة ونشطاء وحركات شبابية واحتجاجية نعترف أولاً بالمسئولية الجماعية عما آلت إليه مصر ونتوقف لمدة أسبوع واحد (سبعة أيام) عن توزيع الاتهامات بأحادية تفتقد المصداقية والشرعية الأخلاقية والسياسية. دعونا نعترف بأن جميع الأطراف ارتكبت الكثير من الأخطاء خلال العامين الماضيين وأنها تحتاج وبسرعة لممارسة النقد الذاتى وتعديل الرؤية ومسارات الفعل. دعونا، ثانياً، نعتذر وبصورة جماعية للمواطنات وللمواطنين الذين أعياهم التفكير فى حلول للأزمة وانتظار السياسيين ليطوروا وينفذوا حلولاً جادة. نعتذر لهم جميعاً عن عجزنا وحروبنا الكلامية وسوء الأداء السياسى والمجتمعى وإغفال همومهم المعيشية والاستعلاء عليهم بالتجاهل، ونعدهم بالعمل معاً لتجاوز الأزمة وإبعاد مصر عن نقطة اللاحكم المدمرة. دعونا، ثالثاً، نأتى بكل الأحزاب والأطياف السياسية والشبابية والاحتجاجية المؤثرة وممثلين لأصحاب الرأى إلى مائدة تفاوض فورية وعلنية لإخراج مصر من أزمتها وتطوير حلول حقيقية للسياسة العاجزة ولقواعدها غير العادلة وللاقتصاد المتهاوى وللظروف المعيشية المتدهورة وغير الإنسانية. دعونا نجلس للتفاوض بعيداً عن قرارات الرئيس ومواعيد الانتخابات وضماناتها غير المكتملة، فكل هذا قابل لإعادة النظر والتقييم والتعديل. دعونا نتفاوض انطلاقاً من قاعدة المسئولية الجماعية ومن قاعدة الشراكة الوطنية، فمصر وطن الجميع واستراتيجيات الإقصاء والتهميش لن تصلح وجوهرها يتناقض مع الأمل فى الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية التى ترتب كعمليات مجتمعية المزيد من الدمج وتكافؤ الفرص. دعونا نتحرك قبل فوات الأوان.