يعتبر الدكتور نوح فيلدمان هو الفقيه الدستوري الأمريكي الوحيد الذي كتب دستور أفغانستان وشارك في كتابة دستور العراق بعد احتلال الولاياتالمتحدة للبلدين، وحوله تدور شائعات تصل إلى حد الأساطير بعضهم مبهور بعبقريته كقانوني لامع حقق - وهو دون الأربعين- لم يحقق كثير من أساتذته في هارفرد التي كان الأول على دفعتها في كلية الحقوق عام 1992 واكسفورد التي حصل منها على دكتوراة في الفقة والشريعة الإسلامية وبعضها يصورها كأنه أحد حكماء بني صهيون الذين يخططون لتقسيم العالم لصالح بني قومه في واشنطن بحكم جنسيته وتل أبيب بحكم دينه. اهتمام المصريين تجدد بالدكتور فيلدمان بعد إطلاق شائعات متعددة المصادر فحواها أنه شارك بشكل أو بآخر في كتابة الدستور الجاري، بعض هذه الشائعات التىي روجت لها شخصيات عامة تحظى باحترام في مصر اعتمدت على حوار له مع قناة "إيه بي سي" الأمريكية عقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، قال فيه إنه لن يتخاذل عن المشاركة في إعداد الدستور المصري إذا عرض عليه، مضيفا "يسعدني كتابة دستور مصر!"، لكل هذه الأسباب اتصلت "الوطن" بالدكتور فيلدمان لمعرفة حقيقة هذه الشائعات والتعرف على رأيه في الدستور المصري الجديد ورأيه - باعتباره مرجعية في الفقه الإسلامي ومن أكثر المتحمسين لدولة يحتل فيها الإسلام دورا واضحا - في مستقبل الدولة المصرية، والتعرف من قرب على رده في اتهامه بالعمل على تمزيق العراق.. يُقال هنا في القاهرة إنك ساهمت بشكل أو بآخر في كتابة الدستور المصري. ما مدى صحة هذه الشائعة؟ - عارية تماما عن الصحة لكن يقال إنك التقيت بعدد من قيادات الجماعة للتباحث حول الدستور؟ - غير صحيح ولم التقِ أبدا أيا من قيادات جماعة الإخوان هل طلبت الإدارة الأمريكية منك إبداء الرأي في الدستور المصري؟ - لم يحدث كيف ترى الدستور الجديد. هل تعتقد أنه متوازن أم سيأخذ مصر إلى الجحيم؟ لا هذا ولا ذاك. فقد تم إقرار الدستور في أجواء مأزومة، وهو يمهد الطريق للديمقراطية لكنه يحتاج لإعادة النظر في عدد من بنوده للنص على حقوق المرأة وتوضيح دور الأزهر أو علماء الدين في منظومة التشريع والقوانين. كنت أول من دافع عن قيام دولة ديمقراطية بعناصر إسلامية في المنطقة. والإخوان يتحدثون عن دولة مدنية بمرجعية إسلامية.. هل هذا يعني أنكما متفقان على نفس المفهوم؟ - أستطيع أن أجيب عن تصوري الخاص. أنا مؤمن بأن دولة مدنية بمرجعية إسلامية يمكن أن تكون ديمقراطية بشرط مراعاة المساوة في الحقوق للجميع بما في ذلك النساء وغير المسلمين وأن تمارس الدولة سلطاتها مع احترام حقوق المواطنين. كيف ترى مستقبل ثورة 25 يناير مع تصاعد الاحتجاجات التي تهدد النظام الجاري وتنذر بمخاطر كبيرة على مصر؟ - يجب أن تكون الاحتجاجات السلمية دائما مسموح بها في الدول الديمقراطية، بشرط ألا تكون عنيفة أو تعطل وظائف الدولة وإلا أصبحت تهديدا للمؤسسات الديمقراطية وخطرا عليها. كيف ترى مستقبل جماعة الإخوان التي انتقلت مؤخرا لأول مرة في تاريخها إلى موقع السلطة؟ - تحديات الحكم أصعب بكثير من الوصول إليه. فلا يكفي أن تفوز في الانتخابات ولابد أيضا أن تثبت الحكومة أنها لجميع المصريين، وأن تفوز بدعم الناس بالمصارحة واحترام القانون.. وساعتها ستجد فرصة لتحكم وهو الأمر الذي تعانيه الآن. إلى أي حد أنت متفائل بانتقال مصر للديمقراطية أم تشارك آخرين خوفهم من أننا نتجه لباكستان أخرى؟ - في باكستان فشل الحكومة والقوى المدنية في التوصل للتوافق وحكم فعال في الماضي فتح الباب لتدخل العسكريين. وستكون كارثة لمصر ويمكن أن تكون نهاية الربيع العربي بصفة عامة ومن المهم جدا لكل الأطراف الفاعلة في مصر أن تسال نفسها: هل حكم الجيش هو من نريد؟ أنا واثق أن الإجابة ستكون لا... وفيما يتعلق بمستقبل الدولة المصرية، أنا قلق ولكن مازلت متمسكا بالأمل. فالوطنيون الذين فجروا الثورة يريدون الديمقراطية وكذلك الغالبية العظمى من المصريين وهذا يعني تواصلا مفتوحا وإعطاء فرصة للحكومة المنتخبة أن تمارس مهام عملها. كيف تقيم أداء الرئيس مرسي منذ توليه الحكم؟ هل تعتقد أنه تصرف كسياسي محترف يريد أن ينقذ بلده من الفوضى أم كقيادي إسلامي لجماعة سرية وأتتها الفرصة لتنفيذ أجندتها؟ - الرئيس مرسي حديث عهد بمنصبه وواجهته تحديات هائلة ومنها حل البرلمان وتهديدات بحل مجلس الشورى. وقد ارتكب أخطاء منها إعلان نفسه فوق القانون لكنه في نفس الوقت تراجع عن بعض هذه الأخطاء عندما كان ذلك ممكنا. في الوقت الجاري الاحتجاجات تجعل من الصعب جدا عليه أن يحكم. وأملي أن يحكم كرئيس لكل المصريين وليس فقط لهؤلاء الذين انتخبوه. فهذه وظيفة الرئيس. توحي إجاباتك أنك متعاطف مع الرئيس وتلقي باللوم على المعارضة؟ - أنا لست متعاطفا ولا ألقي باللوم على أحد.. أنا فقط قلق من إعطاء مبرر للجيش للتدخل في الأزمة وإجهاض الديمقراطية. وأكثر ما يقلقني أن تشل الاحتجاجات الحكومة والحياة في مصر، وتفتح الباب للجيش للتدخل، ما سينهي تجرية مصر الديمقراطية قبل أن تبدأ. بعد سنوات من تجربتك في كتابة الدستور العراقي، هل تشعر بالرضا عما ساهمت في إنجازه؟ - لا أحد يمكن أن يفكر في العراق دون أن يشعر بالندم العميق على آلاف العراقيين الذين ماتوا أثناء الاحتلال الذي قاده الأمريكان وبعده. والدستور العراقي بعيد تماما عن الكمال ولكنه حقق هدفه الأساسي وهو الحفاظ على وحدة العراق وحمايته من التفكك في وقت صعب.. وآمل أن تتحسن حقوق الفرد هناك عندما يصبح البلد هناك أكثر هدوء. هل يؤذيك ما تسمعه هنا في المنطقة عندما يشير البعض إليك باعتبارك "اليهودي الذي لعب دورا في تفكيك العراق؟ استضافتني قناة الجزيرة ذات مرة في برنامجها "من واشنطن" وسألني مقدم البرنامج هل أنت يهودي؟ فأجبت: "نعم أنا يهودي مثل والدي وفخور كوني يهوديا"، فعاد وسألني مبتمسا: الناس تريد أن تعرف هل أنت يهودي سني أما يهودي شيعى؟! وأظن أن هذا كان سؤالا مضحكا وحاذقا. عموما حقيقة أني يهودي أقل أهمية من حقيقة أنني كرست كل سنوات عمري الناضج لدراسة الإسلام وحصلت على دكتوراة في الإسلام من جامعة أكسفورد وكتبت ثلاثة كتب عن الإسلام والديمقراطية... تمت ترجمة اثنين منهم إلى اللغة العربية، وأي شخص يستطيع قراءة هذه الكتب ويعرف آرائي. وبالنسبة للعراق كان هدفي دائما تشجيع العراقيين على البقاء وحدة واحدة. الولاياتالمتحدة ارتكبت أخطأء كثيرة جدا جدا في العراق والعراق كان سيكون أفضل بكثير جدا لو أسقط شعبه صدام دون مساعدة الأمريكان.. وعلى كل حال - أنا من جانبي- بذلت قصاري جهدي للحفاظ على وحدة العراق. يذكر أن الدكتور نوح فيلدمان كاتب أمريكي وأستاذ قانون بجامعة هارفارد، تخرج من كلية الحقوق هارفرد وكان الأول على دفعته عام 1992، حصل على دكتوراة في الفكر الإسلامي عام 1994 من جامعة أكسفورد البريطانية.. عمل مستشارا لوزارة الخارجية الأمريكية بعد غزوها لأفغانستان في 2001 وشارك في كتابة دستور أفغانستان، عمل مستشارا لسلطة التحالف المؤقتة في العراق بعد غزوه في عام 2003 وساهم في كتابة دستوره المؤقت، له عدد من الكتب الهامة ومنها "ما بعد الجهاد: أمريكا والصراع من أجل ديمقراطية إسلامية" و"سقوط وقيام الدولة الإسلامية عام 2008".