فى نفوس المصريين غضاضة وحرج من أى تواصل مع إسرائيل، يستوى فى ذلك بعض أفراد النخبة مع المواطنين العاديين، فلعلك تابعت الانقسام الذى شهده مجلس النواب حول زيارة وزير الخارجية سامح شكرى لإسرائيل، وقبلها بيوم نشرت جريدة «الوطن» قصة الشاب الذى ارتدى «تى شيرت» مرسوماً عليه نجمة تتشابه بعض الشىء مع نجمة داود، فثار عليه ركاب المترو وهاجوا وماجوا، ومن فرط ما وخز الكلام وجدان الشاب، اضطر إلى خلع ال«تى شيرت»، فى مشهد يؤكد من جديد أن نسبة لا بأس بها من المصريين ما زالت تؤمن أن «اللى فى القلب فى القلب» تجاه إسرائيل، وهو أمر طبيعى، بل طبيعى للغاية، إذا أخذنا فى الاعتبار عدداً من أمرين: أولهما أن الذاكرة المصرية لم تصدأ بعد لتنسى تاريخ العدوان الإسرائيلى على الأراضى المصرية، وشهداؤنا الذين لاقوا وجه ربهم فى حروب 56، و67، وفى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، فجيل الكبار فى مصر، تربَّى على عقدة أن إسرائيل هى العدو الأول لمصر، ولم تكن المسألة هنا مجرد شعارات، بل كانت واقعاً ملموساً، أدرك المصريون من خلاله أطماع إسرائيل فى دول المنطقة، واعتداءاتها المستمرة عليها، إذ لم نكن نخرج من عدوان، حتى ندخل فى عدوان. أذكر أن الدكتور محمد شعلان تحدث عام 1979، بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، عما أطلق عليه «الحاجز النفسى» بين مصر وإسرائيل، والذى يعرقل عملية التطبيع بين البلدين، وافترض أن الزمن كفيل بتذويب هذا الحاجز. المعاهدة الآن تدخل العقد الرابع من عمرها، ورغم ذلك لم ينحل هذا الجدار، وما زال اللى فى القلب فى القلب، فتاريخ الدم لا يسهل محوه من ذاكرة البشر، بمجرد توقيع اتفاقية. ثانى الأمور الواجب أخذها فى الاعتبار أن إسرائيل لم تتوقف عن العدوان ضد الشعوب العربية عموماً، وضد الشعب الفلسطينى على وجه الخصوص، منذ توقيع معاهدة السلام وحتى اليوم، والذاكرة المصرية لم تفقد بعد مشاهد قتل النساء والأطفال فى عدوان 2008، ويشاهد الجميع الانتهاكات شبه اليومية من جانب المستوطنين الإسرائيليين للمسجد الأقصى. وقد كانت القضية الفلسطينية -ولا تزال- من القضايا الأساسية التى حالت دون قبول نسبة كبيرة من المصريين لفكرة التطبيع مع إسرائيل، فكيف يفعلون وهم يرون العربدة اليومية للمستوطنين تحت حماية جيش الاحتلال؟. نعم هناك حالة من الغضب من جانب قطاع من المصريين على «حماس»، بسبب مساندتها لجماعة الإخوان، لكن ذلك لم يصرفهم عن جوهر القضية، أو يهز قناعتهم فى ضرورة إقامة دولة فلسطينية، أو إيمانهم بأن السلام لا بد أن يرتكز على العدل، وعدم أكل حقوق الشعوب، وليس على قوة السلاح. هذان الأمران ما زالا -وظنى أنهما سيظلان- الخلفية المفسرة لنظرية «اللى فى القلب فى القلب» التى يتعامل بها المصريون مع إسرائيل!.