يخرج الأطفال تباعا من شرفات منازلهم، يشاهدون ذلك المسحراتي الممسك بطبلته والمتفاخر بالركوب على حماره الذي يعتبره أبرك من كل وسائل النقل، يجوب الحواري ويزور عربات الفول المتراصة لتسحير الصائمين، يحرص أن يوقظ العقول قبل الجفون عبر انتقاد ظواهر وعادات سيئة تفشت داخل المجتمع، ليستغل "المسحراتي صلاح عبدالله" شهر رمضان ليطالب الصائمين بالامتناع عن كل عادة سيئة يمارسونها وليس عن الأكل والشرب فقط. "قالوا إنه مش زماني، وانتهى عصري وأواني، جاني شهر الخير نداني، جيتله بالطبلة وحماري، لا بصاروخ ولا طيارة، ولا توكتوك عامل غارة، ولا عجلة كاسرة إشارة".. ذلك ملمح يعكس رغبة صناع مسلسل "المسحراتي"، الذي عرض في رمضان 2014 على إحدى القنوات الفضائية، في رفض الكثير من الأشياء التي تحدث في الوقت الحالي، وعلى رأسها كثرة الإشاعات والفتن، ومشاركة الإعلام وبرامج "التوكشو" في تأجيج الأزمات، واستغلال بساطة المصريين وإمكانية تصديقهم لكل شيء، فها هو "المسحراتي" يصدح مستنكرا: "يا برامج اسمها توك شو، إعلامنا ليه شوهتوه، وربنا يكتر خيركم".
مسلسل "المسحراتي"، الذي كتبه عبدالفتاح البنا ولحن أغنياته ماجد عرابي وأخرجه سامح مصطفى، كان تركيزه الأساسي على الأطفال، سواء من خلال القضايا التي أثارتها حلقات المسلسل، أو من خلال تنفيذه بشكل كارتوني عن طريق تركيب الصور على الأداء الصوتي الذي يقوم به "صلاح عبدالله"، بمصاحبة العديد من الأطفال الذين يغنون معه كافة أغنيات العمل، دون وجود أي أحداث درامية بالمسلسل.."بس يا ولد.. بس يا بنت.. مدارسكم إيه بتعلم، وفين هيبة كل معلم"، كان ذلك هو رد "المسحراتي صلاح عبدالله"، على حالات الشغب المفرطة التي انتشرت داخل المدارس، وغياب الضبط عن المنظومة التعليمية في مصر، متباكيا على غياب التربية قبل التعليم، واستبدالهما بالدروس الخصوصية، مطالبا بترميم المنظومة التعليمية ككل، والاهتمام بالتعليم الصناعي والفني الذي سيفيد البلاد كلها. الفانوس المصري الأصيل ذو الشمعة المضيئة، كان له نصيب من تباكي "المسحراتي" على الظواهر المصرية الجميلة بعد اختفائها، فيتذكر العمل اليدوي الأصيل ومهارة الصانع المصري الذي لا يضاهيه أحد، والتي تبدلت بارتفاع سعر الفانوس الصيني المستورد، ويختتم الحلقة متسائلا: "الزاي وبالعملة الصعبة نجيب فانوس صيني لعبة". "الحقوني أنا بادوخ.. دماغي جه فيها شمروخ".. لم تقتصر نصائح "المسحراتي"، على الأطفال فقط، بل امتدت لتشمل هؤلاء المتعصبين الذين حولوا كرة القدم إلى مباريات في العنف والحدة والتعصب وقلة الأخلاق، مناديا بعموم الروح الرياضية التي لا تعرف العصبية إلى كل الملاعب، قبل أن يختتم ساخرا: "على ماتشين كورة بنلعب، الدنيا تضرب تقلب، مين يخسر أو مين يكسب، ده حماري نفسه اتعصب".
