هل يجب علينا أن نتعلم شيئًا من كل ما نقرأه؟ وهل ينبغي أن نتوقع درسًا ما نستفيده من كل كتاب؟ أشعر أن مؤخرًا يقيّم البعض الكتب بناءً على تلك النقطة، فيصبح الكتاب جيد إن كان مفيدًا، وسئ إن لم يمدنا بأي درس جديد. ولكن في معظم الأوقات، لا تكون القراءة نابعة من الرغبة في تعلم شئ ما، بل تكون مدفوعة بحب خالص للكتب ولفعل القراءة نفسه. أؤمن بمقولة وهي إن شعرت أن الكتاب يحاول تعليمك شيئًا ما فهذا كتاب قد فشل في رسالته، أما إن تركك الكتاب وقد تعلمت درسًا ما أو قام بصقل أحد الصفات في شخصيتك دون أن تدرك حتى فهذا كتاب قد نجح في مهمة ربما لم تكن هدفه الرئيسي في الأساس. لكن أيعني هذا أن أتوقع تغير شخصيتي مع كل كتاب أقرأه؟ مؤخرًا، شاهدت الكثيرون ممن ينتقدون قراء الروايات، واصفين إياهم بالسطحية. في رأي هؤلاء لا يمكنك أن تستفيد أي شئ من رواية، بل عليك بقراءة "الكتب" لتستفيد. ولكن من قال أنه لا يمكنك أن تتعلم دروسًا في الفلسفة، علم النفس، تحليل الشخصية، التاريخ و غيرها من الروايات؟ ومن قرر أن الهدف الوحيد من القراءة يجب أن يكون الإستفادة العلمية؟ "قمر على سمرقند" لمحمد المنسي قنديل كانت بمثابة درس تاريخي متنكرًا في هيئة رواية، "أرض الحب والغرق" لتيفاني يونيك كانت جولة على شواطئ جزر أهملها التاريخ، "سارقة الكتب" لماركس زوساك كانت أفضل من وثائقيات كثيرة شاهدتها عن الحرب العالمية، و"الحزام" لأحمد أبو دهمان كانت أفضل وسيلة –بالنسبة لي- لأعرف بعض خبايا المجتمع السعودي. كل هذه روايات قرأتها بهدف الإستمتاع، ولكن بعد إنتهائي من قرائتها اكتشفت أنني لم أستمتع فحسب، بل تعلمت دروسًا قد تطغى على كتب أخرى قد أقرأها في المستقبل عن نفس الموضوع. قرأت أحد المقالات التي تتحدث عن هذه الفكرة، ومن ضمن ما إعترف به كاتب المقال، أنه لوقت طويل كانت تختلط عليه أفكار "الوعظ،" "المشاركة،" أو "التعلم" في كتاب أو رواية ما. بالنسبة له، كان كلهم شئ واحد. بالنسبة لي، يوجد ذلك الخط الرقيق الفاصل بين كل كلمة منهم. رواية "طعام، صلاة، حب" مهما تم تجميلها فهي في عيناي كتاب ليعظنا في المقام الأول، وبرغم أنني أتفق مع كل ما تشجع عليه الكاتبة، إلا ان أسلوبها يتسم بالوعظ الذي لا يمكنها إخفائه بين ثنايا الرواية. أما يوميات آن فرانك، تلك الفتاة الصغيرة التي كتبت يومياتها ولم تكن تعرف أنها ستصبح أحد الكتب الأكثر مبيعًا في مختلف أنحاء العالم، فهي بالنسبة لي قصة فتاة عانت الكثير وكانت لديها ما تحكيه، ما تتشاركه معي. أما التعلم، فهي أكثرهم غموضًا، فكتاب مثل الأمير الصغير للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت-أكزوبيري ليس بالقطع كتابًا تعليميًا، ولكنني تعلمت منه دروس صغيرة في الحياة، ورواية "شيفرة دافنشي" لدان براون بالتأكيد ليست كتابًا يهدف لتعليمي شيئًا ما، فهو كتاب لا يهدف سوى لتسليتي لبضع ساعات، ولكنه علمني بعض الأشياء. موقع كالجودريدز (مرجع القراء الرئيسي) يعج بمراجعات للكتب تنتقد الأعمال التي لا تنجح في تعليمهم شيئًا ما، وأجدني أتسائل عن جدوى قرائاتي. وما بين كتاب تعليمي وكتاب أخر شيق أستمتع بقرائته، أجد نفسي مُحاطة بجمع من القراء ينتقدون القراءة إن لم تكن "مفيدة" على حد قولهم. الروايات والقصص القصيرة هي المجني عليه في هذه الحملة، لطالما كانت الروايات منفذًا هامًا لي ومن أحب الأشياء لقلبي، ولكنها أصبحت مُتهمة بمدى جدواها. يذكرني هذا بطفولتي، ففي المدرسة كان ينبغي علينا إستخراج تلك الأفكار "الهامة" أو الدروس من القصص التي كنا نقرأها، ويبدو أن تلك العقلية كافحت لتجد لنفسها مكانًا بين القراء الكبار، لدرجة أنه أصبح هذا هو الهدف الوحيد من القراءة، في بعض الأحيان. ولكن لماذا نقرأ؟، تقول فرجينيا وولف أنه عندما يحين يوم الحساب، سينظر الرب لمن كانوا يحبون القراءة وسيقول هؤلاء لا ينتظرون جائزة أخرى، فقد أحبوا القراءة. وفي هذه الجملة أجد بعض الحقيقة، فمن يقرأ لا يفعل ذلك لينال إعجاب الأخرين، وبالتأكيد من يحب القراءة لا ينتظر وجود سبب معين ليبرر القراءة. بالنسبة له، القراءة شيء لا يمكن الاستغناء عنه، بغض النظر عن هدفها. لمتابعة الكاتبة رضوى أشرف على Goodreads اضغط هنا