كل الشكر والتحية والتقدير لكل من يساهم فى المشروعات العملاقة التى تشهدها مصر حالياً بما فيها المشروعات الموجهة للفئات الأكثر فقراً، بما فيها مشروعات الإسكان الاجتماعى أو مشروع «كرامة وتكافل» وغيرهما. ولكن أزعم أننا نعالج أعراض المرض ولم نبذل الجهد الكافى فى معالجة أسبابه. والسبب الأصلى فى تقديرى هو الزيادة الأرنبية التى نسميها الزيادة السكانية. من وجهة نظر اجتماعية، فالمكون الأساسى لهذه المشكلة ليس فى الزيادة فى ذاتها، وإنما فى أن هذه الزيادة تأتى من أقلّ الناس قدرة على تربية أطفالهم وتعليمهم. ولنأخذ مثلاً الوجه القبلى الذى يمثل حوالى 18 مليون نسمة بنسبة 25 فى المائة من سكان مصر. ويبلغ مواليد الوجه القبلى حوالى 41 بالمائة من إجمالى مواليد الوطن (حوالى 2 مليون). ومن وجهة نظر اقتصادية، فإن كل جنيه ينفق على تنظيم الأسرة يؤدى إلى توفير فى المصروفات العامة (مباشرة وغير مباشرة) فى حدود 134 جنيهاً، وتوفير فى إنفاق مباشر 44 جنيهاً، مع العلم أن نصيب كل مولود جديد من الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية فى الموازنة العامة للدولة يبلغ 4500 جنيه تقريباً. إذن مصر فى خطر «سكانى» لا يقل عن الأخطار التى تحيط بها وتنفجّر من داخلها. لقد بلغ تعداد سكان مصر عام 1980 حوالى 40 مليون نسمة، والآن (أى بعد 35 عاماً) أصبح عدد السكان 90 مليون نسمة، وإذا استمرت الزيادة السكانية على نفس المعدل الحالى فإنه من المتوقع أن يصل عدد السكان بعد 30 عاماً أخرى إلى ما يقارب 170 مليون نسمة. يعنى بعد 30 سنة سنكون بحاجة لمثل نفس العدد من المدارس والمستشفيات والطرق والجامعات الموجودة حالياً، ليس بغرض أن نتقدم، ولكن حتى لا نتخلف أكثر. وهذا ما أدركته الصين منذ السبعينات فتبنّت سياسة الطفل الواحد حتى أسابيع قليلة مضت. وهناك حلول من خبرات دول أخرى. فهناك حوافز إيجابية يمكن أن تعطى للمواطنين الذين ينجبون بقدر ما يستطيعون إحسان التربية والتعليم. ومن هذه الحوافز الإيجابية تخفيض الضرائب التى يقوم رب الأسرة بسدادها طبقاً لعدد أطفاله (مثلما يحدث فى تونس وبنجلاديش وإندونيسيا وفيتنام)، فضلاً عن منَح التقاعد التى تعطى لموظفى الحكومة الذين لديهم عدد محدد من الأطفال طبقاً لعدد الأطفال، وتنعدم هذه المنح بعد الوصول إلى عدد معين من الأطفال، ثم تتحول إلى عقوبات مع زيادة الإنجاب، وهناك تسهيلات فى الحصول على المنح والقروض وفى سدادها بقدر انضباط الأسرة عددياً (مثلما يحدث فى بنجلاديش وإندونيسيا)، والمساعدة على توفير مساكن للأسر صغيرة الحجم، فضلاً عن حوافز مالية لمن يلتزمون بالسن القانونية لزواج الفتيات (الهند مثلاً)، وفى الهند كذلك يمكن منح حوافز مجتمعية فى منطقة بأكملها نظراً لالتزامها بمبدأ تنظيم الأسرة وانخفاض معدل وفيات الرضّع والمواليد بجانب انتشار المعرفة بالقراءة والكتابة وتحقيق التعليم الأساسى لجميع سكان المنطقة. وهناك كذلك حوافز سلبية (أى عقوبات) تُفرض على من يبالغ فى الإنجاب، لأنها ليست حرية شخصية، وإنما هى مسئولية من الشخص تجاه مجتمعه أن ينجب فى حدود حسن التربية والتعليم. حيث يتم فرض عقوبات على ولىّ الأمر الذى يمتنع عن إلحاق أطفاله بمؤسسات التعليم الأساسى أو يتسبب فى ترك أبنائه للتعليم قبل بلوغ سن 16 عاماً ما دام الطفل قادراً على مواصلة التعليم. وذلك على اعتبار أن التعليم هو أحد أهم عوامل الارتقاء بالخصائص السكانية كأحد الأبعاد الأساسية للمشكلة السكانية (تونس وتايلاند)، وتطبيق عقوبات مالية وإدارية على المخالفين مثل تخفيض الحوافز المادية.