بمجرد انتهاء جموع المصلين في مسجد "الاستقامة" بميدان الجيزة من صلاة الجمعة، انطلق صوتها من على بعد أمتار "يسقط يسقط حكم المرشد".. "مرشد مرشد يعنى إيه.. هوَّ نبي ولا إيه". لم يردد خلفها الهتاف أحد، إلا فتاة صغيرة مراهقة تلوح بعلم مصر. السيدة المثابرة لم تتوقف وظلت تردد هتافاتها الملحنة المصحوبة بالقافية، ومن خلفها صوت الفتاة الصغيرة يتبدد وسط المجموعات الضخمة. في الاتجاه المقابل كانت قيات حزب مصر القوية تنظم صفوفها، حاملين الأعلام البيضاء والبرتقالية المزينة بشعار الحزب. بدأت الأصوات تنضم للسيدة التي ترتدي بالطو جينز طويل وحجاب مزركش، ويعلو الهتاف مع التصفيق بالكفوف، على اللحن الذي تصنعه الجمل التي تصيغها السيدة. أعضاء حزب مصر القوية في ذات الوقت بدأوا ينادون على الجموع للالتحام بالصف؛ استعدادا للانطلاق بعيدا عن السيدة التي تهتف ضد النظام، وهو ما لا يتماشى مع الحزب، الذي يرأسه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، الإخواني المنشق عن الجماعة. العشرات الذين انضموا في دائرة حول السيدة بدأت أصواتهم تتعالى، وهنا قرر الحزب أن ينتظر انطلاق المسيرة المضادة للنظام ثم يتحرك بعد ذلك. المشهد لم يخلُ من مشادات كلامية بين قيادات الحزب والمواطنين. "حضرتك عايز تسقط النظام ممكن تمشي في المسيرة دي.. إحنا مش ضد النظام". دقائق قليلة واستلم شاب الهتاف من السيدة، وانطلقت المسيرة المضادة بمجموعة قليلة في اتجاه جامعة القاهرة، بينما انضمت السيدة إلى صفوف حزب مصر القوية في انتظار تحرك المسيرة. انطلقت مسيرة الحزب تهتف "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، بينما يهتف جزء في قلب المسيرة "الشعب يريد إسقاط النظام". توقفت المسيرة الحزبية وأخرجت المنشقين، رافضة الابتعاد عن تعليمات القيادات، التي أكدت مطالب كثيرة ليس من بينها إسقاط النظام. مشهد الهتاف ضد النظام والمرشد والرئيس محمد مرسي تكرر أكثر من خمس مرات طوال طريق المسيرة من ميدان الجيزة، حتى أن القيادات بالحزب فكروا في تغيير مسارهم إلى شارع مراد؛ لتفادي المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام. قبل الوصول إلى جامعة القاهرة، نجحت السيدة المناضلة في الوصول إلى خلال مكبر الصوت، والهتاف ضد النظام والرئيس والمرشد، ونادت اسم الشهيد "جيكا"، وهنا عرف الانقسام طريقه إلى صفوف مصر القوية، التي صارت مسيرتين. السيدة هي طبيبة الأسنان مريم محمد يوسف، خرجت اليوم مع ابنها مصطفى، أحد أعضاء "أولتراس أهلاوي" وطالب بالثانوية العامة، وابنتها ياسمين، التي ما زالت بالمرحلة الإعدادية، ليشاركوا في مظاهرات مسجد "الاستقامة"، في حين فضلت ترك صغيرها عبدالرحمن في منزل والدتها. انتخبت مريم في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الدكتور أبوالفتوح "عشان صدقته"، على حد قولها، لكنها قاطعت الجولة الثانية من الانتخابات. شاركت للمرة الأولى في مظاهرات 25 يناير، وفشل زوجها المهندس في تغيير فكرها وإقناعها بالجلوس في المنزل، فغافلت أبناءها وأغلقت باب المنزل عليهم بالمفتاح، وغادرت إلى الميدان يوم 28 يناير 2011. الهتافات التي ارتفع بها صوت الدكتورة مريم دونتها في مفكرة صغيرة، بعد أن كتبتها على مدار الأيام الماضية استعدادا ليوم 25 يناير، وبالفعل نجحت في تغيير مسار الهتاف الذي أرادت قيادات الحزب أن تنقل به وجهة نظرها. ترى أن الجموع هتفت معها بكل حماس لأن هذه هي مشاعرهم الحقيقية. خرجوا اليوم من أجل "إسقاط دولة المرشد"، ولا يريدون الهتاف للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية. وجَّهت حديثها لشباب جماعة الإخوان المسلمين، وطالبتهم بضرورة عدم الانفصال عن مصر.