توقفت سيارتى فى إشارة، وإذا برجل فى العقد الخمسين يركب «موتوسيكل» وطريقة ملابسه ولحيته الطويلة يعبران عن انتمائه للتيارات المتشددة المناصرة للرئيس، وعلى غير المتوقع سمعت صوتاً عالياً يصدر من كاسيت الموتوسيكل، توقعت خطبة لأحد مدعى المشيخة لكنى وجدت صوت الرئيس مرسى مصاحباً لموسيقى شعبية بين كل مقطع من كلامه تعبر عن تهكم واضح، تعجبت كثيراً من هذا المشهد المتناقض وإن كان يعبر عن الحد الذى خسر به الإخوان حتى أنصارهم. سألت الشباب والشابات فى المكتب عن هذه المقاطع فإذا بعشرات الإبداعات الشبابية على اليوتيوب، إبداعات فنية نضالية لمقاومة هيمنة الإخوان وفرض القوى الظلامية على مصر، فن المقاومة بأروع ما فيه من أغان، مقاطع من خطب الرئيس مع تعليقات ورسائل تمت ترجمتها بعد أن كتبت بالإنجليزية للحليف الأجنبى من إسرائيلى إلى أمريكى إلى قطرى حتى يعلم الشعب الذى يتعهد الحكام بتجهيله إلى أى منقلب قد ينقلبون، وقد وصلت للناس رغم المحاولات المميتة لإرهاب الإعلام لكن الشباب البديل لم يعد قصراً على رواد الإنترنت. ذهبت لمناقشة رسالة دكتوراه لنقيب شرطة شاب عن العنف ضد المرأة وحقوق الإنسان حضرها عشرات من زملائه باحثى الماجستير والدكتوراه، وتجاذبنا الحديث بعد انتهاء المناقشة لأجد جيلاً جديداً، يؤمن بالعلم ويعى الدرس، غاضباً مما فعله المنافقون والسفهاء فى عصر مبارك لتدمير الشرطة وتحويلها فى خدمة النظام. جيل عازم على أن تكون الشرطة فى خدمة الشعب والقانون الذى درسوه وليس ما يفصله الإخوان، حتى لو حاولوا تدمير الشرطة وضمها للميليشيات وجعل قضية الذقن أهم من قضية الأمن. بعد الظهر قابلت عدداً من الشباب والشابات الإعلاميين فى ماسبيرو، ورغم القتل العمد مع سبق الإصرار للإعلام الرسمى نتيجة الجهل التام فى إدارته وإيثار الانتماء الإخوانى على الخبرة، ورغم العويل الحكومى ليل نهار على الإعلام الخاص الذى يدمر عقول الناس من وجهة نظرهم دون النظر إلى ما يملكونه من إعلام يصل إلى 80% فإن شباب إعلام ماسبيرو ما زال لديهم القدرة على العمل رغم الضغوط الشديدة وإبداع الأفكار المهمة لتطوير المنظومة والمقاومة، بل والجاهزية لتولى الأمر بعد زوال دولة الجهل. قبل أن ينتهى اليوم قابلت عدداً من شابات الثورة ممن شاركن بقوة لإنجاحها، وقفن على الأرصفة فى حركة كفاية وسُحلن لدعم ما سمى انتفاضة القضاة، شاركن بتأسيس 6 أبريل وتمت مطاردتهن عندما دعمن انتفاضة المحلة الكبرى واعتُقلن عندما ذهبن لعزاء أهلنا فى نجع حمادى والإسكندرية فى العام التالى. كن وقود الثورة وعقلها ولسانها ولم يؤمنّ بأن أى تمييز يمكن أن يمارس ضدهن لمجرد أنهن شابات «بزيادة ألف وتاء»، كانت صدمتهن كبيرة فى زملاء النضال والتيار المدنى، فهن يعرفن أن المتاجرين بالدين عادة ما يحتقرون المرأة، أما التيار المدنى فمن المفترض أنه يحترم جهودهن ويدعم حقوقهن، وفى النقاش حول ترتيبات ذكرى الثورة كانت ترتيباتهن للوطن لا تنفصل عن حقوقهن كنساء التى داسها المتأسلمون وتواطأ عليها المدنيون. نظرت إلى خريطة المسيرات وإبداعات الدعوات على الإنترنت وفى الواقع وانضمام جحافل من الشباب والشابات الذين لم ينخرطوا فى الموجة الأولى من الثورة وإصرارهم على استكمالها. تأكدت أن الثورة حتماً ستنتصر، فلم أشعر بالتفاؤل والاطمئنان بقدر وجودى مع هذا الجيل الذى -رغم كل التدمير المنظم للتعليم فى مصر لعقود طويلة- أفلت من مصيدة مبارك وتحول لمصيدة لكل من يستهين بهم.