سمحت ثورة يناير بظهور عشرات من الكتاب والإعلاميين، بعضهم كان ممنوعاً، وكثير منهم يجرب حظه لأول مرة، لكن أغلب الوافدين الجدد على الصحافة والإعلام يفتقرون للثقافة والخبرة والموهبة، وبالتالى ليست لديهم رؤية أو منهج فى التحليل أو الحديث والكتابة. وللأسف تصدّر هؤلاء المشهد الإعلامى، ومعهم العديد من أدعياء التحليل الاستراتيجى، وخبراء الفقه والقانون والسياسة، والغريب أنهم نالوا شهرة واسعة وحصلوا على أجور ومكافآت مرتفعة؛ لأنه من الممكن فى عصر الإعلام الجماهيرى أن تخلق من أنصاف متعلمين أو أفاقين، نجوماً!! نتيجة إلحاح الإعلام وقوته، وتعويد الجمهور على وجوه وأقلام معينة كل يوم، تماماً كما يحدث عند الترويج لسلعة جديدة، وأعتقد أن نجومية أنصاف المتعلمين والأفاقين ونشر خطابهم بين الناس إحدى سلبيات إعلام ما بعد الثورة، والذى نال حريته ووسّع من الحريات العامة ومن حقه فى مراقبة السلطات العامة والقوى السياسية؛ لكن هذا التطور الإيجابى لم يتواكب معه تنظيم ذاتى، أو وضع قواعد مهنية ومواثيق شرف إعلامى، من هنا تواصلت عمليات نشر الجهل والتضليل وإنتاج نجوم من أنصاف المتعلمين وتثبيتهم فى المشهد الإعلامى كخبراء وقادة رأى وممثلين لتيارات وقوى سياسية. بعض «خبراء» التحليل السياسى والنفسى ينتجون أفكاراً ومقولات غريبة، أشهرها أن ثورة يناير هى «نصف ثورة»!!، وشرعية مرسى هى «نصف شرعية»، علماً بأن شبه ثورة، وشبه رأسمالية، ونصف اشتراكية، ونصف ثورة، وغيرها من الأنصاف والأشباه ليس لها محل فى التفكير المنطقى أو فى العلم، أيضاً لا يمكن قبول مقولة إن الثورة نجحت سياسياً وفشلت اجتماعياً واقتصادياً؛ لأنه من المستحيل فصل السياسة عن الاقتصاد، كذلك من غير المعقول الموافقة على فكرة أن كل من سُجن لا يصلح أن يكون رئيساً أو مسئولاً سياسياً!! وأن كل من تقلد منصباً فى عصر مبارك هو من الفلول أعداء الثورة والشعب!! من الظلم تعميم الأحكام السابقة، أو الهرب للأمام من خلال حديث غائم وغير علمى عن أشباه وأنصاف ثورة وثوار، ومن غير العلمى أيضاً القول بأن ثورة يناير صنعها الشباب من أبناء الطبقة الوسطى فى المدن، وإنكار دور الشباب فى الريف والأحياء الشعبية الفقيرة، وكذلك كبار السن والذين مهد نضالهم الأرض لخروج شباب الثورة، فى هذا السياق لا بد من عدم تجاهل الدور المهم للعمال، فقد حسمت الإضرابات العمالية فى الأسبوع الأخير من أيام الثورة معركة عزل مبارك. بعض الكتاب الجدد ومقدمى البرامج يتلاعبون بالكلمات ودروس التاريخ، فيدّعون أن الثورة نجحت بينما انهارت أخلاق المصريين!! وأن الثورة نجحت لكن المصريين فشلوا، ولا أعرف كيف يمكن فصل الفعل عن فاعله، والتمييز بين نجاح الثورة وفشل من فعلها!! والأغرب أن بعضهم يصر على قولبة مسار ثورتنا، إما ضمن مسار الثورة الفرنسية، أو ثورة 23 يوليو، أو ضمن مسار الرسالة المحمدية، وذلك رغم اختلاف السياق التاريخى والمجتمعى، وصعوبة التماثل بين التجارب التاريخية بل والمقارنة بينها، فإحدى أهم مقولات المنهج المقارن ضرورة المقارنة بين أشياء متماثلة؛ لأنه لا يصح مثلاً المقارنة بين الفيل والنملة، أو بين العمارة الفرعونية والعمارة الحديثة. أخيراً يفتى أنصاف متعلمين وأفاقون عبر شاشات التليفزيون بأن التصويت ب«لا» يقود إلى المعصية أو الكفر، وأن الخروج على الحاكم يهدم أركان الدين ويهدد وحدة المسلمين، ويدّعى مقدمو برامج ورجال دين أن الرئيس من أحفاد الرسول الكريم وفى رواية أخرى من نسل عمر بن الخطاب، وتورط بعض المذيعين وممثلى بعض الأحزاب فى شتائم وعنف لفظى ضد خصومهم مخالف للقانون والدين والأخلاق العامة، والمشكلة أن العنف اللفظى والوعد والوعيد أصبح ممارسة يومية مألوفة فى قنوات التليفزيون والصحف والفيس بوك وتويتر.