لا أستطيع القول بأن شباب «الألتراس» لديه أهداف سياسية معينة فى إطار الواقع المعاش، أو أن غالبيته تعانى غبنا اقتصاديا. والملاحِظ لوجوه ولملابس ونمط أداء هذا الشباب يستطيع أن يستنتج بسهولة أنه ينتمى فى الأساس إلى الطبقة الوسطى من الأسر المصرية. إنه ببساطة شباب «متحمس» يعرف كيف يعيش لقضية أو فكرة أو مؤسسة يشعر بالانتماء إليها. هذا الشباب يتميز بالنقاء والحماس والترابط والنظام الصارم والولاء لمفهوم الجماعة التى ينتمى إليها، والأهم والأخطر من ذلك أنه شباب لا ينسى «ثأره» أبداً. وهو فى تلك السمة الأخيرة (عدم نسيان ثأره)، يختلف عن العديد من أجيال المصريين، مثل ذلك الجيل الذى مات من شبابه 20 ألف جندى فى نكسة 1967، ومع ذلك رضى باستمرار النظام، بل وذاب فى الدفاع عنه، وقد توالت الأجيال على هذه الشاكلة جيلاً إثر آخر، منهم من رضى بمقتل عشرات الألوف بالأغذية الفاسدة، ومن هان عليه موت آلاف المصريين فى العبّارات والقطارات وغيرها دون أن يحرك ساكناً، أو يتحرك للثأر لهم، هكذا توالت مواكب الضحايا، حتى ظهر هذا الجيل، الذى آل على نفسه الثأر لإخوانه الذين أريقت دماؤهم غيلة وغدراً، وبلا شفقة أو رحمة، وفى حراسة وزارة الداخلية. تلك الوزارة التى أوجعت هذا الشباب كثيراً أيام المخلوع و«حبيبه العادلى»، ولم ينس الشباب ثأره معها، وجاء يوم الحساب يوم 28 يناير 2011 عندما استطاع أن يلقن هؤلاء المتغطرسين بظلمهم درساً قاسياً، جعلهم يفرون أمامه مذعورين يبحثون عن مهرب، وقد شهدت بعضهم بأم عينى يخلع سترته الميرى، حتى يذوب فى الجموع و«ينفد» من آلة التأديب والإصلاح «الألتراسية». وقد كانت الروح الانتقامية واضحة أشد الوضوح فى «مجزرة بورسعيد»، ولا نستطيع أن نغمض أبصارنا عمّا شاهدناه جميعاً من سكوت الأمن باستاد بورسعيد على تحرك تلك الجموع المحترفة لتعمل آلة القتل وتحصد بها أرواح 74 شاباً فيما لا يزيد على ساعة زمن. فجانب التدبير كان واضحاً أمام الجميع، والعامل الانتقامى كان حاضراً بصورة لا تخطئها عين. لقد أرادوا النيل من هذا الشباب الذى وقف لهم بالمرصاد خلال أحداث الثورة، وهتف بسقوط الدولة البوليسية والدولة العسكرية. لن يترك هذا الجيل من الشباب دماء رفاقه تضيع هدراً، كما فعلت أجيال سابقة، والثأر لهذه الدماء آتٍ لا محالة، ومن سفك تلك الدماء سوف يدفع الثمن حتماً. النظام الإخوانى ووزارة داخليته الآن فى «خانة اليك»، وعلى هؤلاء أن يفهموا أن العبث مع هذا الشباب سيؤدى إلى استنفار الطبقة الوسطى بأكملها، وهى ذات الطبقة التى أسقطت نظام المخلوع، والدور وعد، لا يلاقيه إلا الموعود!