عاد الميدان للثوار وعاد المتظاهرون لاصطياد رئيس جديد.. امتلأ الميدان بالمصريين.. لا يهم عددهم إنما الأهم تجمعهم فى ميدان الثورة.. المعروف بميدان التحرير. الميدان الذى شهد مولد الثورة يشهد الآن الموجة الثالثة.. الأولى كانت بالتخلص من حكم مبارك.. والموجة الثانية أطاحت بحكم المجلس العسكرى.. والآن يُريد أن يتخلص من حكم الإخوان.. عاد الميدان من جديد لأصحابه بعدما «أدخلته يدُ اللهِ فى التجربة» كما سطّرها «أمل دنقل» فى رائعته «الكعكة الحجرية». الميدان الذى ارتوى بدماء الشهداء، أثناء الثورة وبعدها، يستعد الآن لتقديم شهداء جدد فى محاولة لاقتلاع ما فرضته المؤامرات، ويستعد للعودة للمربع رقم صفر.. لو نطق الحجر فى الميدان لهتف برحيل النظام وسقوطه.. فهو أرض الحرية ورمز للصمود من أجل «عيش، حرية، عدالة اجتماعية».. يكتبها الآن وسيظل بدم شهداء أبطال لن ينساهم التاريخ! ميدان التحرير أنشأه الخديو إسماعيل قبل 150 عاما.. وصممه المعمارى الفرنسى الشهير «هاوس مان» ليكون مثل قرص الشمس الذى ينير المنطقة بأكملها.. وصمم الشوارع المحيطة به لتخرج من قرص «الكعكة الحجرية».. شوارع تُشبه الشرايين تنتهى فى الميدان.. ثم بالثوار.. ثم إسقاط النظام. عاد «القرص» من جديد للانتفاض ضد حكم الإخوان بعد 7 أشهر فقط لم نعرف فيها من يحكم البلاد: «رئيس منتخب» أم «مرشد يرأس الرئيس» أم «تنظيم سرى»؟ عاد الميدان بعد أن «سقطَ الموتُ، وانفرط القلبُ كالمسبحة/ والدّمُ انساب فوق الوشاح» رافعا شعار «رايتى: عظمتان.. وجمجمةٌ». الثورة تسرى فى ربوع مصر بحثاً عن الحرية منذ ثورة 1919 ومروراً بمظاهرات 1935 ضد الاحتلال الإنجليزى إلى ثورة الخبز فى 18 و19 يناير عام 1977، إلى أن حطت رحالها المؤقت بإسقاط مبارك بعد 18 يوما فقط. لا ينسى الميدان قتل المتظاهرين فى جمعة الغضب ويوم موقعة الجمل.. لا ينسى الجنائز التى انطلقت تطوف أرجاءه.. كما لا ينسى من خان الثورة وضربهم من خلفهم ليجنوا المكاسب.. لا ينسى صدامه مع «أهل النظام الجديد وعشيرته».. لا ينسى الرقص على دمائهم. من جديد عاد الميدان ليُنهى حياة من سرق ثورته.. بعد أن حاول سرقة ميدانه.. عاد «ميداناً للتحرير.. وميداناً للحرية» ليحقق كلمات أمل دنقل «عندما تهبطين على ساحة القومِ.. لا تبدئى بالسلام.. فهمُ الآنَ يقتسمون صغاركِ.. فوق صحافِ الطعام.. بعد أن أشعلوا النارَ فى العشّ.. والقشّ.. والسنبلة.. وغداً يذبحونكِ.. بحثاً عن الكنز.. فى الحوصلة».