«إمبابة» امتداد كورنيش النيل وأبراج أغاخان وعلى الجانب الآخر عشش العشوائيات وبشر يعانون من البحث طيلة يومهم على لقمة العيش وربما تبيت أسرة ليلتها دون أن تجدها، هنا ولد «وليد وأحمد فرغلى»، وهما شابان جامعيان جمعتهما غرفة واحدة فى منزل والديهما يخرج إلى شرفة منزله المطلة على الشارع الضيق يلمح على أول الطريق مدرعتين وفرقة الأمن المركزى وعساكر الشرطة تملأ المكان، على بعد خطوات محكمة إمبابة وأمام الشارع الرئيسى «قسم الشرطة» وهناك على الجانب فى الشارع السد «أمانة الحزب الوطنى»، ففى «إمبابة» لا تقلق «المكان كله محاصر»، يتذكر ذلك اليوم حين كان طفلاً ورأى نفس المشهد فى حصار «جمهورية إمبابة» فكر وقتها أن يتراجع ويعود إلى منزله ويواصل مذاكرته لامتحانه الصباحى ولكن نظرة منه إلى أرض الشارع جعلته يغير قراره «يعنى هيحصل إيه يعنى.. إحنا شوية شباب على الفيس بوك» قرر «وليد فرغلى» أن يترك مخاوفه وراءه وأن يكمل مشواره مع أخيه الأصغر «أحمد» وأن يتشاركا معاً رحلة يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 من إمبابة إلى مسجد مصطفى محمود. نزل «الأخوان» مسرعين إلى الشارع، فقد كانت وجهتهما إلى مصطفى محمود، فأماكن المسيرات التى خرجت على صفحة خالد سعيد لم يكن من بينها إمبابة «ما كناش عارفين إن إمبابة فى مسيرات هتخرج منها وعرفنا لما لاقينا المسيرة عند المحكمة أن إمبابة كانت «الخطة البديلة» لبلبلة الأمن». الدماء تتدفق فى عروقه والعرق يتصبب من جبهته رغم برودة الجو، الطريق طويل والحصار الأمنى لا يكاد يخرج منه حتى يعاود ويلقاه مرة، نهار طويل مر وليل قادم فى أناة، لا يعرف كم من الوقت قد مر وهو يجرى حيناً ويهرول أحياناً ولكنه فقط كان يدرك أن شيئاً ما يحدث «تليفزيونات القهاوى والمحلات كانت هى اللى بتقوينا وأول ما عرفنا أن الشرطة سابت السويس ارتفعت روحنا المعنوية ومابقاش يهمنا حاجة»، حالة من الكر والفر بدأت على كوبرى أكتوبر بعد أذان الظهر ولم تنته حتى انتصاف ليل القاهرة حين بعثرت الشرطة الثوار فى شوارع وسط البلد وبولاق» دخلنا حوارى بولاق والأمن طبعاً ما بقاش عارف يلاحق علينا فى الشوارع الضيقة دى، فى بولاق حسيت إن اللى بيحصل ده ثورة اتنين كانوا قاعدين على القهوة بيلعبوا طاولة اتفاجأوا بينا بنهتف فى نص الليل فى حارة ضيقة والدنيا مقلوبة لقيت واحد منهم قال لصاحبه يلا بينا معاهم ما هى خربانة خربانة»، أدركنا لحظتها أن الثورة قد نجحت وأن الجالسين على المقاهى قد قرروا أن يثوروا ويغيروا واقعهم «المفروض». عاد إلى منزله فجر يوم 26 مع أخيه الذى لم يفارق يومها «لو كنا افترقنا ماكناش هنلاقى بعض تانى»، غادر الميدان يومها ولكنه عاد إليه مرة أخرى فى تلك المسيرة التى زحفت من إمبابة إلى ميدان التحرير «وكان ما كان» هكذ يلخص «وليد» ما حدث، زمن الماضى يخيم على ذكريات الشاب العشرينى عن مشاركته الأولى فى معترك الحياة السياسية التى ظل يتفرج على قشرتها من الخارج حتى وجد نفسه ذات يوم داخلها حتى «النخاع» فقرر ألا يعود. عرف طريقه إلى الميدان فلم يتركه، شارك فى كل المسيرات والمليونيات «الثورية» واحتفل بكل «أعراس الديمقراطية» منذ الاستفتاء على الإعلان الدستورى ثم انتخابات مجلس الشعب ثم الرئاسة وأخيراً الدستور «لم أنتخب الإخوان فى أى انتخابات واخترت مرسى فى الإعادة بعد الليمون اللى طفحناه دلوقتى». سيعود لميدانه مرة أخرى وسينزل من بيته من جديد فى 25 يناير المقبل ولكنه لا يتوقع أن يرى الحشود الأمنية تحت منزله كما السابق ولا أن تسبق خراطيم المياه تسليمه فى صلاة الجمعة من مسجد مصطفى محمود، سيسير هاتفاً «عيش حرية كرامة إنسانية.. مطالبنا هى هى» سأخرج هذه المرة ليس لإسقاط النظام ولكنى سأخرج من إمبابة لأعود لأهلها بنتاج حقيقى لثورة حقيقية إحنا ما عملناش ثورة علشان 3 أرغفة عيش و5 لتر بنزين وعلاج بشهادة فقر». الأخبار المتعلقة: «إمبابة والمطرية وشبرا».. تضع حجر أساس «الثورة الثانية» المطرية.. دولة الشهداء التى أنجبت «إبراهيم» يوم 25 يناير شبرا.. «محمد» يلتزم بوضع جدول المسيرات كل «جمعة وأحد وثلاثاء» الاستقامة.. من هنا أقسم «عمرو»: «مش هنخاف مش هنطاطى»