أحد الأمور الأكثر جدلاً فى قانون الانتخابات هو مسألة الانتماء السياسى أو الحزبى للمرشح أو النائب الذى يفوز فى الانتخابات. والموضوع ببساطة أن القائمين على تشريع القانون وضعوا شرط عدم أحقية المرشح الفائز فى تغيير الصفة التى انتخب على أساسها، وإلا أسقطت عنه العضوية، دون حاجة إلى اتخاذ قرار من مجلس النواب بأغلبية خاصة. بمعنى أن العضوية تسقط بالأغلبية العادية. الحجة التى يستند إليها من وضع هذا النص لا تخلو من وجاهة، وتتعلق بأن الناخب شهر بخداع المرشح له، وهو قد انتخبه على أساس صفة محددة فكيف له أن يغير صفته بتلك السهولة بعد اكتسابه العضوية؟ هذا الرأى يبدو أنه متأثر بعقدة النظام البائد الذى اكتوت به المعارضة التى يحكم جزء منها الآن الدولة المصرية، بينما الباقى ما زال قابعاً فى صفوف المعارضة. وكلنا نتذكر كلمة «مستقل على مبادئ الحزب الوطنى»، وكلنا لم ننسَ بعد هرولة نفر من المستقلين للانضمام للهيئة البرلمانية للحزب الوطنى، منذ أن عرف الحكم النظام الانتخابى الفردى منذ عام 1990، واستمر هذا الوضع حتى انتخابات 2000، أما فى انتخابات 2005 و2010 فقد انقلبت الآية، وأصبح المستقلون الفائزون سواء من الأصل «الوطنى» أو المستقلون الحقيقيون، تُقَبَّل أيديهم للعودة للهيئة البرلمانية للحزب الوطنى. فى انتخابات 2005، كان ذلك بغرض توازن القوى مع المعارضة الإسلامية. وفى انتخابات 2010 كان الهدف هو الاستحواذ والإقصاء وضمان الإجماع، بعد أن عزف الحكم عن الاكتفاء بأغلبية الثلثين وسعى إلى إقصاء الكافة. المنطق الآن مختلف، والخريطة السياسية أصبحت متباينة. بمعنى آخر اتضح الاستقطاب الذى لا يمكن معه (إلا ما ندر) أن يحول نائب عضويته من حزب إلى آخر. فمثلاً يستحيل فى ظل الانقسام الأيديولوجى أن يتحول نائب سلفى إلى إخوانى، ومن باب أولى إلى نائب من الكتلة المدنية. ونتيجة حالة الانقسام والاستقطاب الحادثة فى المجتمع بين تيار إسلام سياسى وتيار مدنى، أصبح من المقابل أن يتحول نائب وفدى إلى الهيئة البرلمانية لحزب الشعب بزعامة حازم أبوإسماعيل، أو أن يتحول نائب من التيار الشعبى أو أى فصيل من جبهة الإنقاذ إلى حزب النور. الأمر الآخر، وهو دستورى بحت ومرتبط بحقوق الإنسان، أى بحق المواطن وحريته فى المشاركة فى العمل الحزبى أو تأسيس حزب جديد، وكلها أمور يبدو أنها تتعارض مع ما وضعه القانون من قيد، وربما مع روح القانون التى تتهم النائب بخداع الناخب. وهنا سوف نصبح أمام تعارض القاعدة الدستورية مع القواعد القانونية. الأكثر من ذلك، هو ماذا يفعل الحزب إذا ما رغب فى فصل نائب من هيئته البرلمانية، ألا يعنى ذلك -مع تطبيق القانون- فصله من عضوية البرلمان، ومن ثم انتصار رغبة قيادات الأحزاب المصرية المعروف بسلطوية معظمها فى الحالة المصرية، على الرغبة الشعبية. ثم كيف تأكد المشرع القانونى أن النائب المذكور محل المشكلة انتخب لبرنامجه السياسى، أليس فى هذا تجاهل لحقيقة أن النواب فى مصر تنتخب غالبيتهم لشخوصهم، حتى لو كانوا ضمن القوائم الحزبية. خلاصة الأمر، فإن موضوع علاقة الانتماء السياسى للنائب تحتاج إلى مراجعة ونوع من الحوار الوطنى بين القوى السياسية، حتى يخرج القانون بشكل متوازن ومنضبط، ولا مانع أن يفرق بين حالات وأخرى. المهم وكفانا تشرذماً أن تتفق الفواعل السياسية ومجلس الشورى والمحكمة الدستورية على تلك المعايير التى يجب أن نحتكم لها جميعاً فى المستقبل. «وعلى الله قصد السبيل».