الشخصية الثانية التى نسلط الضوء عليها هى شخصية الدكتور محمود عزت، الذى لعب هو الآخر دوراً كارثياً فى تخريب الجماعة من ناحية، وإفشال الإخوان فى إدارة شئون الحكم فى مصر من ناحية أخرى، إلى الدرجة التى أدت إلى ثورة الملايين من شعب مصر عليهم فى 30 يونيو، والإطاحة بهم فى 3 يوليو عام 2013، أى بعد عام واحد فقط من الحكم. عرفت الدكتور محمود عزت فى عام 1978، عندما كنا أعضاء فى قسم الطلاب بجماعة الإخوان، الذى كان يشرف عليه آنذاك الأستاذ مصطفى مشهور (رحمه الله)، كان القسم يضم: محمود عزت (القاهرة)، صبرى عرفة الكومى (الدقهلية)، محمد حسين (الإسكندرية)، محمد البحيرى (المنوفية)، عصام العريان (القاهرة)، فؤاد عبدالمجيد (كفر الشيخ)، صبرى رخا (بورسعيد)، عادل أبوالعينين (دمياط)، محمود الأسيوطى (بنى سويف)، ومحمد حبيب (أسيوط)، كان الدكتور «عزت» يمثل همزة الوصل بين الأستاذ مصطفى مشهور وبيننا، وكان الكثير من اللقاءات يعقد فى بيته بمصر الجديدة، كما كانت تعقد أحياناً فى دار التوزيع والنشر الإسلامية بشارع بورسعيد - السيدة زينب - بالقاهرة، كان «عزت» متخرجاً من كلية الطب، جامعة عين شمس، وعين معيداً بكلية الطب جامعة الزقازيق، عُرف عنه مثابرته ودأبه وتفانيه فى العمل وقدرته الفائقة على المتابعة، فضلاً عن شهامته ومروءته وحبه الشديد للجماعة، إذ لا بأس لديه أن يقضى الساعات الطوال فى خدمة إخوانه، ولا يتوانى فى السؤال عن المرضى وتقديم كافة أنواع الدعم لهم، وأظن أن مواقفه من إخوانه المعتقلين ومن أسرهم، من الأمور التى تحسب له فى ميزان حسناته، كان من سلبياته الدخول فى التفاصيل الدقيقة والفرعية والاستغراق فيها للدرجة التى تنسيه أصل الموضوع، كما كان من سلبياته أيضاً تطرقه إلى قضايا وموضوعات بعيدة عن اختصاصاته، وهو ما كان يحدث ارتباكاً شديداً داخل الجماعة، ولا شك أن طبيعته الانكفائية وعدم الانفتاح على الآخرين لعبت دوراً فى ميله نحو السرية، ساعد على ذلك بطبيعة الحال التضييق الذى كان يمارسه نظام حكم مبارك على الجماعة، كان من معالم الدكتور «عزت» البارزة اعتماده على مبدأ «التقية» المتبع عند الشيعة كمنهج وسلوك، علاوة على انعدام الشورى لديه، واستلابه -أحياناً- لسلطة مكتب الإرشاد، الأمر الذى كان له أكبر الآثار السلبية على الجماعة. فى عام 1979 أقام الإخوان سلسلة من المخيمات فى منطقة أبويوسف - العجمى - بالإسكندرية، وكانت مقتصرة على طلاب الإخوان، وقد تولى مسئولية إحداها الدكتور «عزت»، وفى صيف 1980، أقاموا مخيماً شهيراً بنفس المكان، عرف باسم مخيم «التوريث»، أى توريث الدعوة، وقد اشترك ثلاثتنا (محمد حبيب - محمود عزت - خيرت الشاطر) فى مسئولية إدارته، حيث ضم الإخوان العاملين فى كل محافظات مصر، وكان تحت إشراف الأستاذ دسوقى بقنينة (رحمه الله)، قبل سبتمبر عام 1981، استطاع محمود عزت أن يهرب إلى اليمن، وبالتالى لم يتم التحفظ عليه ضمن ال1536 الذين أمر الرئيس الراحل السادات بإلقاء القبض عليهم فى ليلة 3 سبتمبر 1981، والتحفظ عليهم فى مكان أمين، حسب تعبيره(!) ولم يرجع إلى مصر إلا عام 1985، وقد تم اختياره عضواً بمكتب الإرشاد فى عام 1987، كما أنه نال عضويته بالانتخاب عامى 1989 و1995، وفى 9 أكتوبر 1995 ألقى القبض عليه مع آخرين، حيث حكمت المحكمة العسكرية العليا عليه ب5 سنوات، وخرج فى 8 أكتوبر 2000، وفى مارس/ أبريل عام 2001، أراد الأستاذ مصطفى مشهور، المرشد العام الخامس للإخوان، تعيينه أميناً عاماً للجماعة بدلاً من الدكتور محمود غزلان، لكن المستشار المأمون الهضيبى (رحمه الله)، نائبه آنذاك، اعترض قائلاً: هل قدم لك غزلان اعتذاراً عن ذلك؟ فقال مشهور: لا.. قال الهضيبى: فلم التغيير إذن؟ فتوقف مشهور، وفى نوفمبر من نفس العام ألقى القبض على الدكتور «غزلان» مع بعض الإخوان فيما عرف ب««قضية الأساتذة»، حيث تمت محاكمته عسكرياً وصدر بحقه حكم ب5 سنوات، ولم يكن هناك مفر أمام «الهضيبى» من قبول تعيين الدكتور محمود عزت أميناً عاماً فى أواخر أيام مصطفى مشهور، أى فى بداية عام 2002، وظل فى هذا الموقع حتى يناير عام 2010. ويعتبر محمود عزت جندياً من الدرجة الأولى، لكنه كقيادة فاشل بامتياز، ففى أى تشكيل أو جماعة ليس بالضرورة أن يكون الجندى الممتاز قيادة ممتازة، وتمثل ثقافة السمع والطاعة والثقة فى القيادة لدى الدكتور عزت معلماً بارزاً فى شخصيته، فالرجل يلتزم بدقة وحرفية بكل ما يقال له، كما أنه يعتبر التعليمات والتوجيهات الصادرة إليه كأنها أوامر عسكرية، حيث يقوم بتنفيذها بجدية وصرامة ودون أدنى تفكير أو تردد، مهما كلفه ذلك من جهد ووقت، لذا، كان مقرباً وموضع ثقة الأستاذ مصطفى مشهور، رجل النظام الخاص، الذى عرف عنه دقة الانضباط وشدة الالتزام، ويحتفظ الدكتور عزت بسرية المعلومات إلى أقصى درجة ممكنة، ولا يدلى بأى شىء منها حتى لأقرب الناس إليه، إلا لضرورة، ساعده فى ذلك جفاف مشاعره، وميله الطبيعى لقلة الحديث، فضلاً عن التجربة القاسية التى مر بها مع تنظيم 1965، وقد لاحظت عليه أنه فى ظل القيادة القوية الحازمة يلتزم بالتكليفات المحددة له دون أدنى تفكير، لكنه إذا استشعر ضعفاً أو تهاوناً أو عدم مساءلة من قيادته، فلا بأس عنده أن يتصرف بالشكل الذى يراه دون حرج(!)، وقد وجدناه فى بعض الأحيان يستثمر موقعه وثقة القيادة فيه بالدخول فى دوائر شائكة وارتكاب أخطاء كبيرة، كأن يكلف بعض الإخوة بمراقبة أخ يشعر أنه انتقد موقفاً لقيادة الجماعة، أو تصرف بطريقة يراها هو مخالفة لتقاليدها(!) (وللحديث بقية إن شاء الله).