فى كل مرة يحدث فيها حادث قطار يسقط ضحايا -قتلى ومصابون- نرى ذات الخطابات التى تتحسر على الوطن، وتنعى ضحاياه. كثير من هذه الخطابات يكتسب بعداً سياسياً مباشراً، فمن كان ينتقد نظام مبارك فى هذه الحوادث ينتقد النظام الحالى، ويحمله المسئولية. صحيح أن رئيساً تسلم الحكم منذ بضعة أشهر لا يتحمل مسئولية تركة امتدت لعقود، لكنه يظل يُسأل عن التصورات المستقبلية اللازمة لإصلاح هذا الجهاز وغيره من مختلف مرافق الدولة. وغياب الخطط الموضوعة لإصلاح هذا الجهاز سوف يؤدى إلى مزيد من الكوارث، ليس مطلوباً إصلاح فورى، ولكن على الأقل وجود خطة وطريق بدأنا السير فيه. هناك تداعٍ فى مرفق السكك الحديدية بشكل تدريجى على مدار عقود. أتذكر عبارة قالها لى أحد مستشارى وزير النقل منذ بضع سنوات أن حوادث القطارات لن تنتهى، والسبب أن القطارات تفتقر إلى عوامل الأمان، والسكك الحديدية لم تعد آمنة، وأن وضع خطة لإصلاح مرفق السكك الحديدية يتطلب مليارات. تعرضت شخصياً مرتين لحادث احتراق غير مكتمل لقطارين فى عهد مبارك. أحدهما عائد من الصعيد عند بنى سويف، والثانى عائد من الإسكندرية على مشارف محطة بنها، وهى بالمناسبة كانت آخر رحلة لقطار «التوربينى» الشهير. فى كلا الحادثين اختبرت كيف تدار الأمور عشوائياً، وتجنبت هذا المرفق قدر المستطاع. ما يحدث فى السكك الحديدية نجده بدرجات متفاوتة فى قطاعات الدولة الأخرى التى تعانى من ترهل واضح. فقد اقترنت ثورة 25 يناير بفعل عشوائى داخل جهاز الدولة المراوغ بطبعه، فاستوعب صدمة الثورة فى البداية، ثم غير من شكله ليتناسب مع المرحلة الجديدة، ثم ما لبث أن عاد لطبيعته الأولى التى تقوم على الفساد والتبلد، ولكن الجديد هذه المرة أنه استوعب درساً مهماً ألا أحد ينفعه سوى «الجنيه». جهاز الدولة هو الحاكم الفعلى للبلاد، ولاؤه لذاته وليس لآخر غيره. لا مانع لديه من تعديل «الشكل» أو اكتساب «نيولوك» متمثلاً فى لحية وحصائر ممتدة تستضيف الصلوات المتصلة، ولكن دون تغيير فى المضمون القائم على الفساد واللامبالة وغياب الحساسية تجاه مطالب المواطنين، ويؤدى شح الموارد المتاحة إلى استسهال التضحية بمصروفات الصيانة الدورية لصالح البنود الأخرى فى الميزانيات، مما يجعل المرافق العامة تقع بالسكتة القلبية ولا تمرض لفترة تتلقى خلالها علاجاً يعيدها لحالتها الأولى. وإذا كان الحكم الحالى استلم مرفق السكك الحديدية فى حالة متردية، ووقعت فى عهده أربع حوادث قطارات، لكنه وعد عقب حادث منفلوط بوجود خطة لإصلاح مرفق النقل لم نرها حتى الآن، وأغلب الظن سوف نستمع إلى الخطابات المعتادة فى مثل هذه الحوادث، يضاف إليها تكثيف الجرعة الإيمانية بأن ما حدث قضاء وقدر، ولا رد لقضاء الله، وهكذا يتحول المواطن المصرى إلى «رهينة» مجهول غامض.