ينتظر الشعب كله ما سوف تسفر عنه جهود مجلس النواب من حلول للمشكلات والأزمات التى يعيشها ويعانى منها الناس فى كافة أوجه الحياة بمصر المحروسة. ويقيناً فإن المجلس سيهتم أولاً وقبل أى شىء بأداء واجباته ومهامه التى نص عليها الدستور، وفى هذا المقال نلقى الضوء على أولى تلك المهام التى نصت عليها المادة 101 وهى أن يتولى المجلس سلطة التشريع، على أن نتناول فى مقالات تالية باقى اختصاصاته، وهى إقرار السياسة العامة للدولة، الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ثم الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية. وبالنسبة للمهمة الأولى لمجلس النواب، وهى أن يتولى سلطة التشريع، يجد المجلس أمامه سيلاً من التشريعات الواجب إصدارها لتفعيل مواد الدستور؛ وليس من قبيل المبالغة أن مواد الدستور البالغة مائتين وسبع وأربعين مادة تحتاج كل منها لتدخل تشريعى لإنفاذها على وجهها الصحيح ولتحقيق المقاصد التى قصد إليها المشرع الدستورى، الأمر الذى يمثل ثورة تشريعية حقيقية لا تكتفى بترميم التشريعات القائمة، وإنما تتضمن.. أولاً: إعداد التشريعات الجديدة التى ألزم الدستور مجلس النواب بإصدارها بنصوص صريحة، حيث نصت المادة 235 بأن «يصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانوناً لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية»، وما جاءت به المادة 239 بأن «يصدر مجلس النواب قانوناً بتنظيم قواعد ندب القضاة وأعضاء الجهات والهيئات القضائية، بما يضمن إلغاء الندب الكلى والجزئى لغير الجهات القضائية أو اللجان ذات الاختصاص القضائى أو لإدارة شئون العدالة أو الإشراف على الانتخابات، وذلك خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور»، والمادة 241 التى نصت على أن «يلتزم مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية». ثانياً: المبادرة باقتراح تشريعات تنظم ما جاء به الدستور من أحكام جديدة فى أبوابه المختلفة، أو حث الحكومة على التقدم باقتراحات مشروعات قوانين للاستجابة للمبادئ الدستورية، مثل ما جاءت به المادة 236 من أن «تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية وفى أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلى، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون». ومثل المادة 237 التى «تلزم الدولة بمواجهة الإرهاب، بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله وفق برنامج زمنى محدد باعتباره تهديداً للوطن وللمواطنين، مع ضمان الحقوق والحريات العامة، وينظم القانون أحكام وإجراءات مكافحة الإرهاب والتعويض العادل عن الأضرار الناجمة عنه وبسببه». وغيرها كثير من المواد التى جاءت بأحكام ومبادئ جديدة يجب تفعيلها من خلال تشريعات جديدة. ثالثاً: تعديل التشريعات القائمة بما يجعلها متوافقة مع نصوص الدستور، مثل ما جاء فى المادة 242 التى نصت على أن «يستمر العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور بالتدريج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه، ودون إخلال بأحكام المادة (180) من هذا الدستور» والتى نصت على نظام انتخاب المجالس المحلية. رابعاً: إلغاء قوانين بسبب عدم دستوريتها أو عدم الرضا الشعبى عنها أو للتعجل فى إصدارها فى غياب مجلس النواب دون عرضها على حوار مجتمعى حقيقى، ومن ذلك احتمال إلغاء قانون تنظيم التظاهر رقم 107 لسنة 2013 والمعروض على المحكمة الدستورية العليا لشبهة عدم الدستورية، أو بسبب تناقضها مع مواد فى الدستور تناقضاً يلزم معه استبدال قوانين جديدة أو معدلة بها تتوافق مع النصوص الدستورية الجديدة. وعلى سبيل المثال، فقد تضمنت مواد الدستور فى أكثر من مائة موضع تعبيرات مثل «على النحو الذى ينظمه القانون»، «ينظم القانون»، «يحدد القانون»، «الأحوال التى يحددها القانون»، و«وفقاً للقانون»، وفى ذلك ما يشير إلى حجم وأهمية الجهد المطلوب القيام به من مجلس النواب فى الأساس! إن الثورة التشريعية لتفعيل مواد الدستور تستمد أهميتها من أنها ستكون فى حال تمت بالكفاءة القصوى وبالتجرد الوطنى الذى لا ينحاز سوى للمصالح الوطنية العليا أساساً لانطلاق الوطن نحو مسيرة جادة للتنمية الوطنية الشاملة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهى الأهداف التى قامت من أجلها ثورتا الشعب فى 25 يناير و30 يونيو، وسالت دماء غالية واستشهد فيها مواطنون هم عند ربهم أحياء يرزقون، فضلاً عن إنقاذ الوطن من الإرهاب والفساد وتأكيد قيم المواطنة والوحدة الوطنية الجامعة. والإشكالية هنا؛ أن مسئولية إتمام تلك المهمة تقع على مجلس النواب بالدرجة الأولى، وتشاركه السلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مسئولية اقتراح القوانين كما جاء فى المادتين (122) و(123)، والحال كذلك، فإن القيام بتلك المهمة الوطنية يحتاج تنسيقاً وتعاوناً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وبخاصة بعض المواد التى تعتبر مستحيلة التفعيل فى ضوء المعطيات الاقتصادية للدولة، ومثال لها المادة 238 التى تنص على أن تضمن الدولة تنفيذ التزامها بتخصيص الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق الحكومى على التعليم، والتعليم العالى، والصحة، والبحث العلمى المقررة فى هذا الدستور تدريجياً اعتباراً من تاريخ العمل به، على أن تلتزم به كاملاً فى موازنة الدولة للسنة المالية 2016/2017. وتلتزم الدولة بمد التعليم الإلزامى حتى تمام المرحلة الثانوية بطريقة تدريجية تكتمل فى العام الدراسى 2016/2017. والمقترح تشكيل «لجنة تشريعية وطنية» تضم أعضاء اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب وبعض النواب من أصحاب الخبرة القانونية، وأعضاء اللجنة التشريعية بمجلس الوزراء، وأعضاء إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وأعضاء يمثلون القوى المجتمعية من غير الممثلين فى مجلس النواب، كما تضم أعضاء «لجنة الإصلاح التشريعى» التى أصدر الرئيس السيسى قراراً بتشكيلها فور تنصيبه رئيساً، وتختص تلك اللجنة بإعداد الأجندة التشريعية لتفعيل وحماية الدستور والبرنامج الزمنى لإنجازها للوفاء بكل متطلبات تفعيل الدستور، وتولى توزيع المهام بين أعضائها على قاعدة الكفاءة والاختصاص، وإدارة الحوارات المجتمعية حول مشروعات القوانين، ثم عرض مشروعات القوانين الموافق عليها مجتمعياً على المجلس حسب ما قضت به المادة (122)، ولا يمنع تطبيق هذا الاقتراح رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وأعضاء مجلس النواب من اقتراح القوانين فى الموضوعات التى تخرج عن دائرة الأجندة التشريعية لترجمة نصوص الدستور إلى تشريعات نافذة.