سالت الدماء من جديد على قضبان السكة الحديد، وتجددت حوادث قطارات الصعيد فى الساعات الأولى من صباح أمس، ودفع 18 مجنداً شاباً حياتهم نتيجة الإهمال، والرعونة والتسيب، فى أجهزة الحكومة، وأصيب 117 آخرون، جراء انفصال عربة من قطار قادم من أسيوط متجهاً إلى القاهرة بسبب خطأ فنى فى القطار. رصدت «الوطن» تفاصيل الليلة الدامية على قضبان السكك الحديدية فى منطقة البدرشين حيث وقعت الكارثة.. قال شهود إنهم سمعوا صرخات استغاثة من مكان وقوع الحادث، وإن الأهالى توجهوا ناحية موقع الحادث، وتبين لهم أن قطاراً حربياً يحمل المجندين إلى موقع تجنيدهم بمركز مبارك. وأضاف شهود العيان: «القطار كان يتحرك بسرعة كبيرة، وانفصلت العربة الأخيرة، واصطدمت بسرعتها بأحد قطارات البضاعة المخزن بالسكة الاحتياطية، وعقب التصادم بدأ الأهالى البحث عن المصابين والقتلى تحت عجلات القطار بواسطة الكشافات الكهربائية، وأنقذ الأهالى بعض المصابين، وأخرجوا أشلاء الجثث من تحت عجلات القطار، ونقلوا القتلى والمصابين، فى سيارات ملاكى، وتكاتك، حتى وصول أول عربة إسعاف عقب وقوع الحادث بنصف ساعة». وروى بعض المجندين ل«الوطن» تفاصيل ساعات الرعب والذعر فى قطار البدرشين، وقالوا: «بدأت الرحلة بضرب العساكر من المجندين القدامى للمجندين الجدد، فيما سموه (التشريفة) بدون أى ذنب ارتكبوه، وأثناء الرحلة تعطل القطار أكثر من مرة فى محطة المنيا، ومهندس الصيانة بالقطار حذر سائق القطار من الإقلاع، لكن السائق لم يستمع إلى نصائح المهندس، وأصر على التحرك، والإقلاع واستكمال الرحلة إلى مركز تدريب مبارك». وأضاف المجندون: «بدأنا نشعر بحالة من الذعر، والقطار كان يسير بسرعة جنونية عند دخوله محطة البدرشين، ما أدى إلى انفصال العربة قبل الأخيرة نتيجة السرعة، وضعف المفصلة التى تربط العربة بباقى عربات القطار، واصطدمتا بقطار بضائع مركون على شريط السكة الاحتياطية، فى منطقة أبوربع بمدينة البدرشين، وتوقف باقى القطار على بعد أكثر من 3 كيلو من موقع الحادث، واستغرق وقوع الكارثة قرابة 10 دقائق بعد انفصال العربة الأخيرة من القطار وانقلابها بالشهداء». أهالى منطقة البدرشين والحوامدية قضوا ليلتهم فى محاولة لإنقاذ المصابين وإسعاف الجرحى، البعض خرج من المنازل يتساءل: «هو فيه إيه، يا ساتر يارب، إيه اللى حصل»، وفوجئوا بعمال السكة الحديد يستغيثون بهم، القطار الحربى انقلب.. أسرع الأهالى إلى مكان الحادث، وظلوا 12 ساعة يحاولون إخراج الركاب. «الوطن» انتقلت إلى مكان الحادث الذى يبعد عن منطقة المنيب قرابة 12 كيلومتراً، ورصدت محاولة الإنقاذ وزارت المصابين فى مستشفيات الحوامدية، والبدرشين. يروى أحد المصابين ساعات الرعب التى عاشها قائلاً: «والله أنا كنت نايم وبعد ما انقلب القطار، ووجدت وجهى غارقاً فى دمائه، أسرعت إلى الطريق السريع، وأوقفت سيارة ملاكى نقلتنى إلى المستشفى»، ويكمل أحد زملائه المصابين: «تفتكر المعسكر بتاعنا هياخدنا غياب النهاردة». محمد على، عامل، شاهد على الأحداث قال: «كنت وصديق لى نجلس على مقهى بالقرب من قبضان السكة الحديد، وفى الساعة الثانية عشرة والنصف، من صباح أمس سمعت صوت تصادم فأسرعت إلى مكان الصوت، فوجدت عربة من القطار مقلوبة، وكان المجندون يصرخون الحقونا.. الحقونا»، وأضاف: «بعد ذلك اتصلت بعدد من أصدقائى، الذين أخبروا باقى المنطقة، وانتقلوا إلى مكان الحادث وحاولوا رفع العربة إلا أنهم لم يتمكنوا، وأحضر أحد الأشخاص «لودر» وحضر إلى مكان الحادث، وساعدهم على رفع الحطام وإنقاذ المصابين». محمد غلبته دموعه، توقف عن الكلام لدقائق، قبل أن يتماسك مرة أخرى ويقول: «يعنى هى حوادث القطارات على الفقراء بس، والله حرام على الرئيس والحكومة اللى سايبين الناس تموت كده، يعنى هو أطفال أسيوط اللى ماتوا ماكنش لهم أى تأثير على الحكومة، منهم لله المسئولين ربنا ينتقم منهم». «منهم لله، دول راحين الجيش علشان يخدموا وطنهم، المسئولين يقتلوهم بسبب إهمالهم، هؤلاء من مواليد 1992 و1993 من زينة شباب سوهاجوأسيوط، ربنا يصبّر أهاليهم».. بهذه الكلمات بدأ محمود أحمد موظف بالمعاش كلامه، وقال: «أحمّل الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية وهشام قنديل رئيس الوزراء مسئولية تلك الكارثة، هولاء شباب زى الورد ربنا يرحمهم، شاهدت أعضاء بشرية (قدم، دراع، أذن) ملقاة على القضبان، هل هذه مصر التى يتحدث عنها سيادة الرئيس، مفيش حد بيحاسب المسئولين فى مصر عن الكوارث، ويشيلها الناس الغلابة، وآخرها كانت حادثة أسيوط اللى اتحبس فيها عامل المزلقان، والبلوك، منه لله الرئيس ووزراؤه». وفى السابعة من صباح أمس وصل إلى مكان الحادث الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء، يرتدى حذاء رياضياً والوجوم يعلو وجهه، وكان حديثه مقتضباً وبصوت خافت. وحين سُئل عن صحة ما تردد من أنباء عن تقديم استقالته، رفض التحدث، وسرعان ما قوبل بهجوم وسخرية من بعض الناشطين الموجودين بمكان الحادث، فناداه أحدهم قائلاً «ماشاء الله عليك إدارة رائعة يا هشام بيه»، فيما قال آخر «ذنب ال 50 طفل بتوع أسيوط فى رقبتك.