الحضارة المصرية القديمة، كانت ملهمة للعديد من صناع الفن بمصر وخارجها، رغم عدم الكشف عن كافة أسرارها وخباياها التي مازالت قيد البحث، وظلت تلك الحضارة تلهب أذهان المزيد من المبدعين، فاقتبسوا منها وزادوا عليها في رواياتهم التي دارت أحداثها حول الحضارة المصرية القديمة، كنجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي، وآخرهم أحمد مراد. "أرض الإله".. الرواية الأخيرة لمراد والتي أصبحت الأكثر مبيعا مؤخرا، تتناول أحداث جرت في فترتين زمنيتين بالتوازي، فترة نبي الله موسى وخروج بنى إسرائيل من مصر، وحكاية كاهن شاب مصري بأحد معابد سمنود يتهم ظلماً في جريمة قتل كاهن المعبد، وتستعرض الرواية بعض الأحداث المثيرة للجدل، كهوية فرعون، الذي يفترض الكاتب أنه ينتمى إلى الهكسوس، فضلا عن إدعائه أن الإله أوزوريس هو نبي الله "إدريس". "استنتاجي حول هوية الإله أوزوريس جاءا استنادا إلى أن إدريس كان يملك الحكم والحكمة والنبوة، كما أنه سبق سيدنا نوح في الظهور"، هكذا برر أحمد مراد، في حواره ل"الوطن"، رأيه في شخصية أوزوريس إله البعث والحساب عند قدماء المصريين، وهو ما رفضه واستنكره بشدة الدكتور عبدالحليم نور الدين، رئيس اتحاد الأثريين المصريين. ويجد نور الدين، في تصريح ل"الوطن"، أن الروايات التاريخية أصبحت تعج ب"تهريج يتعلق بالتاريخ المصري القديم، كفاية إساءة له والربط بين الأسر، وكفاية عبث به". لم يتوقف الكاتب عن التنقيب داخل الكتب التاريخية التي قرأها على مدى عامين أناء كتابة روايته الحديثة، والتي توصل فيها إلى أن سيدنا موسى ينتمي إلى الهكسوس والتقى بأحمس، قائلا: "أنا توصلت أنهم بالفعل كانوا من زمن واحد وأنه من الوارد حدوث لقاء بينهم، وإذا رغب القارئ فى مزيد من المعرفة فى موضوع الرواية فعليه بالبحث والقراءة المتخصصة، إلا أن رئيس اتحاد الأثريين المصريين نفى ذلك، بتأكيده أن لا أحد يملك تحديد موعد دخول سيدنا موسى مصر أو خروجه منها، متسائلًا عن الوثائق التي يملكها مراد لقول ذلك وأن لا أحد يعلم التاريخ المصري إلا عالمي اللغة المصرية القديمة. نفس الوثائق والبراهين، تساءل عنها الدكتور عاطف عبدالسلام، أستاذ التاريخ القديم وعميد كلية آداب حلوان الأسبق، حيث أكد أنه لا يمتلك أحد أية أدلة تشي بهوية موسى في مصر الفرعونية أو فرعون موسى، رغم ترجيحات العديد بأن "رمسيس الثاني" هو الفرعون الذي واجه نبي التوراة، لافتا إلى أنه كان يستخدم في مصر القديمة نوع من الأملاح المذابة في الماء لبداية عملية تحنيط الملك، وهو السبب الذي دفع إلى الظن بذلك الأمر. وأكد عبدالسلام، أنه رجح أيضا أن فرعون مرسى هو أحد أفراد الأسرة ال18 في أواخر عهدها، والتي تشتق اسمها من "أحمس"، قاهر الهكسوس، ما يتنافى مع رأي الكاتب الروائي. أوزوريس إله البعث والحساب جسد قصة الصراع بين الخير والشر لدى المصري القديم الذي وضعها بأدواته البسيطة لتعبر عن بداية الخلق وقصة "آدم وحواء"، بحسب عبدالسلام، مضيفا أن ما أورده مراد في روايته غير صحيح وعار من الصحة، مرجعا ذلك لكونه غير متخصص أو دارس في مجال الحضارة المصرية القديمة "وده السبب اللي خلى روايات كتير فيها تخاريف وتشويه علشان أحيانا الكتاب خيالهم بيوحي لهم باستنتاجات غير صحيحة". وهو ما دفع عميد آداب حلوان الأسبق، إلى المطالبة بوجود رقابة من قبل أساتذة التاريخ على الروايات التاريخية التي تتناول فترات هامة في مصر، لتفادي تشويه الحقائق ومن ثم توارثها للأجيال القادمة.