يوم الثامن والعشرين من يناير 2011، تراجعت قوات الشرطة من ميدان التحرير في الساعة الرابعة عصرًا، وتفرغت لتأمين الهدف الأخطر للجموع الغاضبة "مقر وزارة الداخلية". التهمت النيران عشرات الأقسام ومقرات أمن الدولة في كل محافظات مصر، لكن المقر الرئيسي للوزارة بشارع نوبار باشا بوسط البلد، استطاع أن يصمد، بعد أن تحصن الجنود والضباط وراء أسواره العالية، وفوق الأسقف، وتمركزت قوات الأمن المركزي في محيطه. أستاذ تخطيط عمراني: يمكن الاحتفاظ به إذا كان تراثيا أو شاهد على أحداث ك"الحزب الوطني" أو تحويله إلى منتزه منذ ذلك الحين، ظل مكان وزارة الداخلية بالقرب من أماكن المظاهرات التقليدية في وسط البلد، كميدان التحرير، ومجلس الوزراء ودار القضاء العالي، مثيرًا للاشتباكات؛ ليشهد المبنى أحداثًا جسيمة مثل اشتباكات محمد محمود الأولى والثانية، وتظاهرات "أولتراس أهلاوي" عقب أحدث استاد بورسعيد، وأحكامًا وصلت إلى السجن المؤبد لمن حاول اقتحام ذلك المبنى العتيق يومًا. كل ذلك سيتغير خلال الشهور المقبلة. "وجود مبنى وزارة الداخلية بوسط البلد، كان يسهّل على أي شخص أن يخطط لعملية اغتيال أو هجوم على المبنى نفسه"، طبقًا للواء يسري الروبي، مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع المرور. أما الأيام القليلة المقبلة، فتشهد انتقال الوزارة إلى مقرها الجديد بالتجمع الخامس، الذي افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمس. "أهم مميزات نقل الوزارة للتجمع هو سهولة تأمين المقر"، كما يشرح اللواء الروبي. كان وسط البلد هو مقر الشرطة الرئيسي منذ عام 1857، حين أمر محمد سعيد باشا بإنشاء المبنى في منطقة لاظوغلي، ثم تم تجديد المبنى وإعادة افتتاحه عام 1971 في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات. أعقاب ثورة يناير 2011، ومع ازدياد الاحتياج لتأمين المبنى، ازدادت الحواجز المرورية والأسمنتية الدائمة من حوله؛ لمنع أي محاولات لاقتحامه أو حتى الاقتراب منه، أقامت قوات الجيش حواجز أسمنتية أحيانًا، وبالأسلاك الشائكة والبوابات أحيانًا أخرى، متسببة في غلق العديد من الشوارع المحيطة بالمبنى منها، شوارع محمد محمود والقصر العيني والشيخ ريحان، إضافة لعبدالمجيد الرمالي، ومنصور، والفلكي، ويوسف الجندى، ونوبار. الحواجز وقوات الأمن المتمركزة حول الوزارة، تسببت في اختناقات مرورية دائمة في وسط البلد ومحيطها، فهل يصبح نقل الوزارة انفراجة لهذه المشكلة؟. الأمر يتوقف على كيفية استغلال المبنى القديم، طبقًا للواء مجدي الشاهد، المدير الأسبق للإدارة العامة للمرور، يقول اللواء الشاهد، أن مبنى الوزارة القديم لو تحوّل إلى فندق أو مبنى تجاري، لن يحل مشكلة المرور في المنطقة، بل سيزيدها. خبير مروري: نقل الوزارة من وسط البلد سيزيد المشكلة المرورية رغم التأمين الدائم والشوارع المغلقة، يلفت الشاهد النظر إلى أن مبنى الداخلية ليس خدميًا، ولايتردد عليه الجمهور، وإن تحول إلى مصلحة حكومية تخدم المواطنين، أو مبنى يحوي أنشطة تجارية، فإن ذلك سيضر بالسيولة المرورية للمنطقة. قبل تحديد كيفية استخدام المبنى القديم، يجب أن يخضع أولًا للتقييم من الناحية التراثية، ومدى أهميته المعمارية، طبقًا للدكتور محمد إبراهيم جبر، أستاذ التخطيط العمراني بجامعة عين شمس. ويقول جبر، إن تقييم المبنى قد يسفر عن أن له قيمة تراثية يجب الحفاظ عليها، ومن ثَمّ إعادة توظيفه كاعتباره مبنى سياحي أو متحف دون تغيير معالمه أو شكله، وخاصة مع الدور المؤثر الذي لعبه في تاريخ مصر، والأحداث الجسام التي شهدها. أما إذا لم يكن له قيمة تراثية وصار عرضة للهدم، فيرى جبر أن يتم تحويل المبنى إلى متنزه أو حديقة عامة، فمنطقة وسط البلد المتكدسة بالمباني لن تحتمل المزيد من الكثافة السكانية في نظره، وأنها في حاجة لمتنفسات وحدائق أكثر من حاجتها لمولات أو فنادق. مصدر أمني: تم تشكيل لجنة لبحث طرق استغلاله.. ومحتمل ضمه للقطاعات الخدمية بالدولة مصير المبنى القديم ما زال مجهولًا، حيث أكد مصدر أمني، ل"الوطن"، أنه لم يتم البت حتى الآن في طريقة استغلاله، مشيرًا إلى أن الوزارة انقطعت صلتها بالمبنى بعد نقل المقر إلى مبنى آخر في القاهرة الجديدة. وأضاف المصدر، أن مجلس الوزراء سيقرر مصير المبنى وكيفية استغلاله على الوجه الأمثل، متابعًا "قريبًا سيتم رفع الحواجز الخرسانية المحيطة بالمبنى؛ لتيسير حركة المرور، أما كيفية استغلاله فسيكون إما ضمه للقطاعات الخدمية بالدولة، من خلال محافظة القاهرة، أو من خلال مجلس الوزراء"، مؤكدًا أن هناك لجنة تم تشكيلها لدراسة كيفية الاستفادة منه.