* يعاودنى احتباس الكتابة؛ تكثر الكلمات فى دمى ولا أستطيع أن أدوّنها. أضع أفخاخ صيد الكتابة فى كل مكان أتحرك فيه عادة: نوتة وقلم على الصندوق الأسود جوار سريرى من جانبى الأيسر، ونوتة وقلم على الوسادة لاحتمال تقلبى إلى جانبى الأيمن، نوتة وقلم فى المطبخ، نوتة وقلم فى الدرج جوار باب الخروج، وأماكن أخرى نسيتها لكننى أفاجئ نفسى بأنها تحتوى على نوتة وقلم، ذلك كأننى أصيد فأرا بالمادة اللاصقة التى أتربص له فيها بكل مكان، غير أن الكلمات عندى ليست فئرانا؛ إنها صمت يشكشك دمى. هذه الجملة الأخيرة عالية النبرة وأكاد أشطبها خجلا منها لكننى أتراجع متسائلة: وما الضرر فى علو النبرة أحيانا؟ إجابتى هزة من رأسى تذكّرنى بمراحل يزيد فيها الخفوت وتتهم بالخيانة، ومراحل يزيد فيها علو النبرة وتتهم بالتطرف وربما بالإرهاب. المكرونة على النار فى الماء المغلى أثناء نضجها أجفف شعرى، وتحت صنبور الفلتر، الذى يتساقط منه الماء بطيئا، أنتظر امتلاء الزجاجة حتى أصبها فى الغلاية الكهربائية لأعد كمية الشاى التى تكفينى لاستراحة أتوقف فيها حتى يبرد جهاز مجفف الشعر. تتجمّع بضع كلمات أسارع بتدوينها قبل أن تتسرّب وتضيع فى دمى. أجد تشابها بين التجمع البطىء لنقاط المياه من الفلتر فى الزجاجة والتجمع البطىء للكلمات على الورق، حين أدون هذا التشابه فى صياغة أقرؤها أشعر بنفور؛ هذه المرّة ليس علو النبرة الذى لا يرضينى لكن ما يبدو افتعالا للبراعة. أتوقف عن التدوين. * حتى مطلع القرن العشرين، ربما حتى نهاية العشرينات منه، كانت تهمة «رجل حليق» من القذائف الموجعات التى يُرمى بها الرجل إذ تعنى أن المتّهم ليس له شارب ولا لحية فهو، بعيد عن السامعين، «حليق»! أى ناقص الهيبة والرجولة ويخضع لغزو النمط الغربى فيتشابه بالهيئة والتصرفات مع نماذجها الدخيلة التى يرضاها العدو ولا يقبلها المحب لدينه ووطنه، وكانت هناك أغنيات تندد بما كان البعض يعتقده من «الخيبة على آخر الزمن» حتى ذاعت واحدة تقول: «ياما نشوف حاجات تجنن.. البيه والهانم عند المزيّن»! دار الزمن دورته وصارت التهمة «رجل مُلتحى»؛ يُنكَّل بصاحبها ويُحرَم من الالتحاق بصفوف الجيش والبوليس؛ «وياما نشوف حاجات تجنّن»! * من قال إن «المواطنة» تتطلب الاعتذار عن الدين والتديّن؟ * أشياء فقدت مذاقها الذى كان سر اشتهائنا لها: الكباب والفول والطعمية؛ الحمد لله ما زال لدينا البصارة! * أفتقد القهقهات، فهى لم تعد بإمكانى، على الرغم من كثرة «الهزار»، الذى أراه سمجا للغاية. * فى مناقشة عام 1971، حول حقوق الفلاحين، فوجئت بالأستاذ عبدالله عبدالبارى (واحد من أهم رؤساء مجلس إدارة مؤسسة الأهرام)، يباغت حماسى لدفع الظلم عنهم بقوله: «يا صافى ناز الفلاحين دول قرايبى وأنا عارفهم ولاد...»! الموعظة من ذكر هذا هى: التنبيه إلى أن التحريض على أكل حقوق الناس يأتى من كبرائهم؛ فهم العدو الذى يجب أن نحذره. * صبراً آل جامعة النيل: إن موعدكم زوال الظلم والبغى والعدوان، وإنّا والله معكم فى غاية الأسف والغضب والدهشة، ولا بد أن يكشف ربنا لنا، فى القريب العاجل، كل الأسرار لنفهم هذا اللامنطق الذى يفرض نفسه عليكم وعلينا من دون «إحِّم» أو دستور!