تحاصرنا الكلمات «الخشنة» حتى تكاد تبتلعنا، وقد تحولت إلى حجارة تَرجِمُ كل ما هو إنسانى، لذلك عندما يقع بين أيدينا من الكلمات ما يحمل نسمات ندية نتلقفها ولا ندعها تمر، نحاورها ونستزيدها، نزرع بها أملاً فى غد أكثر إنسانية، ونعيد بناء أسوار الألفة التى تهدمت تحت وطأة تجريف طال قيمنا. أعرض لكم أوراق كتاب الأديبة المصرية «مريم توفيق» «بين الكلمات» الذى يضم بين دفتيه بعض قصائدها التى تنقلنا إلى خمائل الشعر، وتكرس بها طريق «قصيدة النثر» لتستغرقك بعيداً عن القوالب التى استقرت فى البناء الشعرى التقليدى، وتجد نفسك غير بعيد عن المناجاة والحكى والسرد والموسيقى التى تدغدغ المشاعر وتدفئ الوجدان، تنقل لك مشاعر متباينة محمولة على أمواج النفس فى لحظات مختلفة، تستقبلك فى أبياتها الافتتاحية بقدر من البوح: «عدت بالذاكرة أقلب فى الورق حائرة بين الصمت والبوح فمن يفك سر السحر كلما تلاشى الحرف فالقلم لا يرسو على بر!! كنت ألوُّح للقمر، أبحر مع النجم من الفُلِّ أصنع باقة بلون القلب أحلم بالفراشات، أجوب الحقول وعلى صفحة الدهر أُحدث بنِعَمِ القضاء ونِعَمِ القدر.. ». وتجد نفسك مشدوداً لسردها وشجونها وأنينها، حتى نهايتها: «هذا أنا... أُسائل عنك الليالى، فى ظمأ لمجداف يلثم قلب النهر صمتى يسكن صمتى بوحى يسكن بوحى والبحر الأبيض زبد يذكرنى وحبيبى موجات من غضب ساخر وبريق الأشواق يحاصرنى ويشاطرنى حرفى عشقى شطآنى لم يكن البحر كلاماً من ملح بل كان حروفاً من شهد الأيام هذا أنا والبحر، نتبارى والعمر النشوان نتعانق فى فجر الأزمان هذا أنا والبحر سفر ورحيل... وبقايا أشجان». تنتهى القصيدة ولا ينتهى الإبحار، فتحت عنوان «العمر الثانى» تتهادى المناجاة تغزل ثوباً شفيفاً يكشف عن قلب ينبض بالحب والحلم والوجد: «حين أطل شعاعك فى قلبى وأضاء ظلام حياتى أربكت حساباتى.. لكنى أحسست بأن الدنيا فى كفى والعالم.. كل العالم بين يدى وتلك أشعارى تحكى أقدارى وحروفى تحمل أغوارى أفكارى تتمايل فى كفى تحتضن الصمت القابع فى نفسى فأهيم بلا مأوى وكأنى أمشى نحو محال وإذاك تهل ببابى ملكاً قمرى اللمحات فرسمت سنينى سحباً ورسمت عيونى شعراً شمساً، قمراً، بسمات يا أطيب عطر يغمرنى يا هودج فلٍّ يحملنى للعمر الآتى لحناً قدسى النغمات». كنت أُقلب أوراقها وأتساءل، هل ما تقوله الكلمات رسائل حب أم صلاة فى محراب؟ أم هى إرهاصات صوفية، استحضرت المطلق فاستغرقها؟، فتحت عنوان «فى البدء»: «ما أروعك... ما أبدعك يا دُرة الكون يا تاج الذهب أعطنى متعة أن أحيا معك أرقب الشمس على بابك كى أمضى معك أقتفى الآثار من قدميك حتى أتبعك فأنا منك وأنا لك إننى النجمة أبقى ساهرة فى الليالى السمر أرعى مضجعك». ومن المدهش أن سؤالى لها وجدته فى سطورها: «قال: كلماتك الأقرب إلى روحى كيف تصوغين من البحر والموج من النجم والغصن أطيافاً تميل نحو بستان الزهور؟ أرى فى القصيد نفحة الخير وعشق كل جميل صرت حديث الشوق فكيف أخفى سر إلهامى؟ أتوق لأناملك تمر على الأشواق والسهر غداً موعدنا المنتظر بلون الفرح قالت: يا عاشق النغم يا شهد القلب.. بُحت بما للنفس من فرح ومن شجن تركت الحزن لأنجو.. أهفو للفجر الضحوك».