شكّلت الصعوبات المالية التي عانت منها حكومة طرابلس غير المعترف بها وعجزها عن مواجهة الخطر المتصاعد لتنظيم "داعش"، أبرز عاملين وراء تثبيت حكومة الوفاق الوطني سلطتها في العاصمة من دون إراقة دماء. وتتمتع حكومة الوفاق بدعم المجتمع الدولي الذي يعول عليها لإعادة بناء الاقتصاد الليبي والتصدي للتهديدات الجهادية، بعد أكثر من عام ونصف من حكم سلطة الأمر الواقع التي لم تحظ بأي اعتراف أو مساندة خارجية منذ ولادتها. وقال سياسي ليبي مقرب من رئاسة حكومة الوفاق الوطني لوكالة "فرانس برس": "أفلست حكومة طرابلس، وبات بعض أعضاء الجماعات المسلحة بلا رواتب وأموال، بينما أصبح آخرون يخشون أن يلقوا المصير ذاته". وأضاف السياسي الذي فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: "هؤلاء العناصر يسيرون مع الجهة التي تملك الأموال، وليس مع الطرف المفلس. وبما أن حكومة طرابلس وجدت نفسها أمام أزمة مالية كبرى، وباتت عاجزة عن دفع الرواتب، اندفعت الجماعات المسلحة لتأييد حكومة الوفاق". لكنه حذر من أن "خطر وقوع أعمال عنف لا يزال قائمًا، إذ أن هذه الجماعات قررت أن تنتظر لترى ما الذي يمكن أن تقدمه حكومة الوفاق وما هي قدراتها المالية. الوضع في ركود حاليًا، وقد يتغير في أي لحظة". * ترتيبات أمنية ودخلت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج طرابلس في 30 مارس، وسرعان ما حظيت بدعم سياسي كبير مع إعلان بلديات مدن في الغرب وفي الجنوب الولاء لها. كما نالت تأييد المؤسسات المالية والاقتصادية الرئيسية، وهي المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار في طرابلس. وانشقت غالبية الجماعات المسلحة التي كانت داعمة لحكومة طرابلس عنها لتنضم إلى حكومة الوفاق. ومساء الثلاثاء، أعلنت الحكومة غير المعترف بها في طرابلس مغادرتها الحكم. وعلى الرغم من أن رئيسها خليفة الغويل أعلن في وقت لاحق رفضه تسليم السلطة، داعيًا الوزراء للعودة إلى وزاراتهم، إلا أنّه يبدو معزولًا إلى حد ما في هذا الموقف. وتلاشت بالتالي سلطة الحكومة غير المعترف بها، مقابل خطوات ثابتة قامت بها حكومة الوفاق المحملة بوعود الإصلاح المالية والأمنية، من دون أي مواجهة مباشرة بين الطرفين، ومع تفادي أي اشتباك مسلح بين الجماعات التي تؤيد السلطتين. وقال مسؤول أمني في طرابلس ل"فرانس برس"، إنّ لجنة الترتيبات الأمنية لحكومة الوفاق "عقدت اجتماعات مع قادة الجماعات المسلحة طوال أسابيع قبيل دخول الحكومة إلى طرابلس، وتوصلت إلى اتفاق معهم على تهدئة الأوضاع وعدم الدخول في مواجهات". وتابع "حاليًا لا يوجد أي جهاز أمني أو جماعة مسلحة معارضة للحكومة الوفاق، بانتظار تبلور الأوضاع واتضاح آلية عمل هذه الحكومة". وحكمت طرابلس ومعظم مناطق الغرب منذ أغسطس 2014 حكومة وبرلمان نصبهما تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى "فجر ليبيا" ضم خليطًا من المجموعات الإسلامية المعتدلة والمتشددة وكذلك الأمازيغ. ومع الانقسام الذي طال هذا التحالف مؤخرًا وانحياز العدد الأكبر من مكوناته إلى حكومة الوفاق الوطني، يرى خبراء أن هذا الائتلاف بلغ نهايته. * التهديد الجهادي وخاض تحالف "فجر ليبيا" معارك مع تنظيم "داعش" الذي وجد في الفوضى الليبية موطئ قدم سمح له بأن يسيطر على مدينة سرت الساحلية (450 كلم شرق طرابلس)، وأن يحاول دخول مدن أخرى، بينها مدينة صبراتة على بعد 70 كلم غرب العاصمة. وأعلنت سلطات طرابلس غير المعترف بها أكثر من مرة عن عمليات عسكرية تهدف إلى تحرير مدينة سرت، من دون أن تحصل هذه العمليات على الأرض. واتهمت المدن الغربية وعلى رأسها صبراتة التي شهدت معارك دامية مع تنظيم "داعش"، سلطة طرابلس بالعجز عن المساهمة في وقف تقدم التنظيم الجهادي، وبالعمل ضده "في البيانات فقط"، بحسب ما قال مسؤول محلي ل"فرانس برس".