كشف تحقيق صحفى ضخم شاركت فيه أكثر من 100 صحيفة حول العالم، تورط أكثر من 140 زعيماً سياسياً من كافة دول العالم، بينهم ما يقرب من 12 رئيس حكومة حالياً وسابقاً، وعدد من رؤساء الدول، فى تهريب أموالهم من بلدانهم إلى ملاذات ضريبية، واستند التحقيق إلى ما يقرب من 11.5 مليون وثيقة مُسربة، وأكد «الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين»، ومقره واشنطن، على موقعه الإلكترونى، أن الوثائق تحتوى على بيانات تتعلق بعمليات مالية لأكثر من 214 ألف شركة «أوفشور» فى أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم، ومن المعروف أن شركات الأوفشور أو العابرة للحدود هى نوع من الشركات الحديثة بحيث تقوم إحدى الشركات من خلال بنوك بتأسيس شركة فى دولة أخرى حتى تتجنب الرقابة ودفع الضرائب فى دولتها الأصلية، وتم تسريب هذه الوثائق من مكتب المحاماة البنمى «موساك فونسيكا» الذى يعمل فى مجال الخدمات القانونية منذ 40 عاماً، وقالت هيئة الإذاعة البريطانية (بى بى سى) إنه لم يواجه طيلة هذه العقود الأربعة أى مشكلة مع القضاء. الوثائق تُصنف علاء مبارك «عميلاً خطراً» وتكشف امتلاكه شركة فى جزر «فيرجن».. و«ميسى» و«بلاتينى» و4 من الهيئة التنفيذية ل«فيفا» و20 من مشاهير الكرة فى برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد على رأس قائمة مستخدمى «الأوفشور» وأضاف الاتحاد الدولى للصحفيين أن هذه الوثائق حصلت عليها أولاً صحيفة «تسود دويتشه تسايتونج» الألمانية قبل أن يتولى الاتحاد نفسه توزيعها على 370 صحفياً من أكثر من 70 دولة من أجل التحقيق فيها، وأعلنت الحكومة البنمية، أمس، أنها ستتعاون بشكل وثيق مع القضاء إذا ما تم فتح تحقيق قضائى استناداً إلى الوثائق المُسربة، فيما أدان مكتب المحاماة عملية التسريب، معتبراً أنها «جريمة وهجوم يستهدف بنما»، وقال رئيس المكتب ومؤسسه رامون فونسيكا مورا لوكالة «فرانس برس»: «هذه جريمة، هذه جناية». وقال اتحاد الصحفيين الاستقصائيين إن «الوثائق تثبت أن البنوك ومكاتب المحاماة وأطراف أخرى تعمل فى الملاذات الضريبية غالباً ما تنسى واجبها القانونى بالتحقق من أن عملاءها ليسوا متورطين فى أعمال إجرامية»، وصرح مدير الاتحاد جيرار ريليه ل«بى بى سى» أن «هذه التسريبات ستكون على الأرجح أكبر ضربة سُددت على الإطلاق إلى الملاذات الضريبية وذلك بسبب النطاق الواسع للوثائق التى تم تسريبها». فيما قال جابرييل زوكمان، أستاذ الاقتصاد فى جامعة «كاليفورنيا» ب«بيركلى»، إن «هذه التسريبات تظهر إلى أى مدى هناك ممارسات ضارة وإجرامية متجذرة فى مراكز الأوفشور». وكشفت «وثائق بنما» امتلاك علاء مبارك نجل الرئيس الأسبق حسنى مبارك لشركة «بان وورلد» ومقرها فى جزر «فيرجن» البريطانية، وهى شركة أوفشور يديرها بنك «كريدى سويس» السويسرى، وخلال عام 2011 بعد تنحى «مبارك» والقبض عليه هو وولديه طلبت سلطات الجزر البريطانية من شركة «موساك فونيسكا» المسئولة عن أعمال «بان وورلد» تجميد أصول الأخيرة فى جميع أنحاء العالم بحسب قوانين الاتحاد الأوروبى، وفى عام 2013 تم تغريم شركة «موساك فونيسكا» 37.5 ألف دولار لعدم قيام الشركة بالتحقق بشكل صحيح من إجراءات فحص حساب علاء مبارك بصورة سليمة، وذلك بعد أن صنفته ضمن العملاء الخطرين، وفى تحقيق داخلى اعترفت الشركة بالتقصير فى مراجعة الإجراءات البنكية الخاصة بعلاء مبارك فى وقت سابق، ورغم ذلك أرسل بنك «كريدى سويس» إلى شركة «موساك فونيسكا» خطاباً يوضح فيه أن أنشطة شركة «بان وورلد» وتعاملاتها المالية فى جميع أنحاء العالم مع البنك ومع صندوق استثمار «إتش آى جى» الأمريكى -له أعمال واستثمارات فى أكثر من 200 شركة حول العالم منذ تأسيسه عام 1993 بقيمة تفوق 30 مليار دولار- لا تتعارض مع تجميد سويسرا لأموال مبارك، وفى عام 2014 بدأ مكتب التحقيقات بجزر «فيرجن» تحقيقاً آخر مع شركتى «موساك فونيسكا» و«بان وورلد»، حيث اعترف موظفو شركة موساك بأنهم وجدوا المزيد من التجاوزات داخل «بان وورلد» وأنهم لا يستطيعون السيطرة عليها بشكل كامل، ولهذا تم اتخاذ القرار فى أبريل 2015 بإنهاء العمل مع الشركة المملوكة لعلاء مبارك. اتحاد الصحفيين الاستقصائيين: التسريبات أكبر ضربة للملاذات الضريبية.. وأستاذ اقتصاد بجامعة «كاليفورنيا»: تُظهر ممارسات إجرامية فى مراكز «الأوفشور» وذكر موقع «إنفو بايى» الأرجنتينى أن «مسئولين إيرانيين وقياديين فى حزب الله اللبنانى أيضاً على قوائم المعنيين بالقضية الدولية الجديدة»، وقال الموقع إن «33 شخصية وشركة مُدرجة على قائمة الولاياتالمتحدة السوداء للإرهاب، موجودة فى الملفات المُسرّبة»، كما أوضح أن القائمة الاسمية تضم مسئولين حكوميين إيرانيين، ومسئولين فى حزب الله اللبنانى، وشخصيات كورية شمالية، وجميعها متورطة فى تهريب المخدرات وتجارتها عبر المكسيك». وتشمل الوثائق أيضاً معاملات جرت على مدى أكثر من 4 عقود (1977- 2005) لشركات تولى تسجيلها مكتب المحاماة البنمى، ومن بينها معاملات أجراها يان دونالد كاميرون والد رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون والذى توفى فى 2010. وتفيد الوثائق أيضاً أن أشخاصاً مرتبطين بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين هرّبوا أموالاً تزيد على مليارى دولار بمساعدة من مصارف وشركات وهمية، وكتب الاتحاد على موقعه الإلكترونى أن «شركاء لبوتين زوّروا مدفوعات وغيّروا تواريخ وثائق وحصلوا على نفوذ لدى وسائل إعلام وشركات صناعة سيارات فى روسيا»، وقال المتحدث باسم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إن الرئيس الروسى هو «الهدف الرئيسى» للتقارير الإعلامية التى تحدثت عن امتلاكه حسابات بنكية فى الخارج، ونفى تورطه فى ارتكاب أى مخالفات، وقال ديمترى بيسكوف المتحدث باسم «بوتين» إن «وسائل إعلام عالمية ركزت بشكل خاطئ على بوتين بدلاً من سياسيين آخرين فى العالم، رغم أنه لم يتورط فى ارتكاب أى مخالفات، وأشار إلى أن الاتحاد الدولى للمحققين الصحفيين، تربطه علاقات مع الحكومة الأمريكية، فيما ندد الكرملين بتسريب «أوراق بنما» حول الملاذات الضريبية لشخصيات كبرى، مضيفاً أن «الصحفيين الاستقصائيين الذين عملوا على «أوراق بنما» المسربة هم مسئولون أمريكيون سابقون وعملاء سابقون فى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سى آى إيه)». ودافعت عائلة رئيس الوزراء الباكستانى نواز شريف، أمس، عن امتلاكها لشركات «أوفشور» بعد أن ورد اسمها فى أوراق تم تسريبها فى «بنما»، وصرح عمر شيما من مركز التحقيقات الاستقصائية فى باكستان لوكالة «فرانس برس»: «نواز شريف لا يملك أى شركة باسمه، إلا أن امتلاك أولاده لشركات يثير التساؤلات»، وشارك المركز الباكستانى مع «الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين» -الذى أمضى شهوراً فى تفحص الوثائق قبل الكشف عنها على الإنترنت-، وصرح «شيما»: «يوجد أكثر من 200 باكستانى حددهم تقريرنا ومن بينهم محامون وأعضاء فى البرلمان وعدد من رجال القضاء»، ودعا زعيم المعارضة عمران خان إلى التحرك ضد نواز شريف، وقال فى تغريدة «تم التأكيد على موقفنا مرة أخرى بعد الكشف عن إيداع ثروة شريف فى الخارج»، مضيفاً أن لجنة المحاسبة فى البلاد وسلطات الضرائب ومفوضية الانتخابات يجب أن تتحرك، إلا أن حسين ابن شريف قال لإذاعة «جيو» -أكبر إذاعة خاصة فى البلاد- إن عائلته «لم ترتكب أى خطأ»، وقال «هذه الشقق لنا وشركات الأوفشور هذه أيضاً لنا»، وأضاف «ليس هناك ما يعيب فيها، ولم أخفها أبداً ولست بحاجة إلى إخفائها»، ونفى وزير الإعلام الباكستانى برويز رشيد كذلك ارتكاب أولاد شريف لأية جرائم. وعلى صعيد آخر، أكد الرئيس الفرنسى فرنسوا أولاند، أمس، أن ما كشفته التحقيقات الأولى عن الملاذات الضريبية سيؤدى إلى تحقيقات فى فرنسا، وشكر الذين كشفوا هذه المعلومات، متوقعاً أن تجنى خزينة الدولة منها «موارد ضريبية»، وقال «أولاند» إن «كل المعلومات التى ستسلم ستخضع لتحقيقات مصلحة الضرائب ولإجراءات قضائية». وذكرت صحيفة «لا ناسيون» الأرجنتينية -التى شاركت فى التحقيق- أن الرئيس الأرجنتينى ماوريسيو ماكرى كان عضواً فى مجلس إدارة شركة «أوفشور» مُسجلة فى جزر الباهاماس، لكن الحكومة الأرجنتينية أكدت، أمس الأول، أن الرئيس «لم يساهم أبداً فى رأس مال هذه الشركة بل كان مديراً لفترة وجيزة لهذه الشركة». وكشفت الوثائق أيضاً شركات مرتبطة بأفراد من عائلة الرئيس الصينى شى جينبينج الذى يرفع لواء مكافحة الفساد فى بلاده، ومن بين أقرباء الرئيس الصينى الذين وردت أسماؤهم دينج جياجى زوج الشقيقة الكبرى ل«شى»، وقال الاتحاد إن «دينج أصبح فى 2009 (عندما كان شى عضواً فى اللجنة الدائمة للمكتب السياسى للحزب الشيوعى الصينى الذى يتمتع بنفوذ كبير) مساهماً فى شركتين وهميتين فى جزر «فيرجن» البريطانية». كما ورد اسم «لى تشاولين» ابنة رئيس الوزراء الصينى من 1987 إلى 1998، وقد استفادت من مؤسسة فى «لشتنشتاين» تديرها شركة مسجلة فى جزر «فيرجن» البريطانية عندما كان والده رئيساً للحكومة. ولم يقتصر التحقيق فقط على الشخصيات السياسية، بل امتد ليشمل عدداً من الشخصيات الرياضية أيضاً منها لاعبا كرة القدم ميشيل بلاتينى وليونيل ميسى والرئيس الأوكرانى بيترو بوروشنكو، إلى جانب الاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا)، وجاء فى الوثائق تورط 4 من الأعضاء ال16 فى الهيئة التنفيذية ل«فيفا» استخدموا، بحسب الوثائق المسربة، شركات «أوفشور» أسسها مكتب «موساك فونسيكا»، ووردت فى هذه الوثائق أيضاً أسماء نحو 20 لاعب كرة قدم من الصف الأول بينهم لاعبون فى فرق برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد، وفى مقدمتهم ليونيل ميسى. وبحسب «الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين» فإن النجم الأرجنتينى الحائز مرات عديدة على «كرة الفيفا الذهبية» شريك مع والده فى ملكية شركة مقرها فى بنما، وورد اسم النجم ووالده للمرة الأولى فى وثائق مكتب المحاماة فى 13 يونيو 2013 أى غداة توجيه الاتهام إليهما بالتهرب الضريبى فى إسبانيا. ومن نجوم عالم الكرة الواردة أسماؤهم فى الوثائق برز أيضاً اسم ميشيل بلاتينى الذى استعان بخدمات مكتب المحاماة فى 2007، العام الذى تولى فيه رئاسة الاتحاد الأوروبى لكرة القدم، لتأسيس شركة فى «بنما»، وتعليقاً على هذه المعلومات قال «بلاتينى» فى بيان تلقته «فرانس برس» إن المرجع فى هذه القضية هو «إدارة الضرائب فى سويسرا بلد إقامته الضريبية منذ 2007». ولا تنحصر أسماء الرياضيين الواردة فى الوثائق على عالم كرة القدم، بل تتعداه إلى رياضات أخرى مثل الهوكى والجولف، بحسب الاتحاد. ومن جانبها، قالت هيئة الضرائب الأسترالية، أمس، إنها تتحرى أمر أكثر من 800 من العملاء الأثرياء لمؤسسة قانونية فى «بنما» للتحقق من وجود حالات تهرب ضريبى محتملة، وقال وزير الخزانة سكوت موريسون لراديو «إيه.بى.سى»، أمس، «يرتبط سجلنا حين يتعلق الأمر بالتهرب الضريبى بالتشريع والتحرك»، وقالت الهيئة فى بيان أرسلته بالبريد الإلكترونى إلى وكالة «رويترز»: «فى الوقت الحالى حددنا هويات أكثر من 800 من الأفراد من دافعى الضرائب وربطنا الآن بين أكثر من 120 منهم وبين مقدم خدمات شريك موجود فى هونج كونج». ولم تذكر هيئة الضرائب الأسترالية اسم الشركة الموجودة فى هونج كونج. ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن قائمة الوثائق تشتمل على مئات الشركات ورجال الأعمال الإسرائيليين بما فيهم «عيدان عوفر» و«أودى أنجل»، و«تيدى ساجى»، والمحامين «يعقوب ويرنوس»، و«دوف فايسجلاس» مدير مكتب رئيس الوزراء الأسبق «آرييل شارون»، مشيرة إلى أن مدير مصلحة الضرائب فى إسرائيل «موشيه أشر» أعلن أثناء استضافته فى استوديو الصحيفة، أنه سيتم البحث فى كل الأسماء الإسرائيلية التى تم ذكرها فى التسريبات ومن ثم مطابقتها بالتقارير التى فى أيديهم.