رحلة على الأقدام في ضجيج شارع قصر النيل بوسط القاهرة، الأرجل تزاحمك وفروشات الباعة على الأرصفة تقيد حركتك، ونذير السيارات يطاردك حتى تتسلل إلى منفذك، هدوء نسبي في الدرب الضيق، الذي يصل بين شارعي قصر النيل وعبد الخالق ثروت، مملكة خاصة بأصحابها، تتراص على جانبيها واجهات عرض محلات، تزدان بالملابس مختلفة الأصناف والألوان، قبل أن تزاحمك أصوات الباعة من جديد، "تعالى والله عندي تيشرتات وبناطيل مقاسك"، تصمت عن إجابتهم، وتتجول بعينيك حتى تقع على واجهة اختار لها صاحبها أن تحمل فوقها اسم "هتلر". صاحب محل "هتلر" ل"الوطن": عجبني اسم المحل بتاع الهند لما شفته على النت وقلت هيخطف الزبون شاب نحيف، في أوائل الثلاثينات من عمره، تظهر على وجهه علامات الشقاء، يجلس ليلتقط أنفاسه على أحد المقاعد الرخام، التي تمتلئ بها "مملكة الجينز" سابقا، والمعروفة الآن بين أهلها من التجار ب"الشواربي"، يجلس أمام أبواب محله و"فاترينة" معروضات من الملابس الشبابية، تعلوها لافتة، عنوانها بالإنجليزية "Hitler"، منقوش أعلاه شعار النازية "الصليب المعقوف"، والتي أحدثت ضجة في الأيام الأخيرة، بعدما تداولتها وسائل الإعلام العالمية، وتناولتها الصحف الإسرائيلية، وعلى رأسها "يديعوت أحرونوت"، التي لوحت بمصير محل سابق، افتتح في مدينة "أحمد أباد" بالهند في عام 2012، حمل اسم الزعيم النازي، واضطر صاحبه لتغيير العلامة التجارية لمتجره بعد قرار من الحكومة الهندية إثر مظاهرات لليهود، واحتجاج القنصل العام الإسرائيلي في مومباي، والذي زعم وقتها أن "اسم المحل أحبط المجتمع اليهودى سواء في الهند أو في أنحاء العالم". صاحب المحل: الأجانب بيبقوا فرحانين باسم المحل وبيتصوروا معاه "سيلفي" وقليل اللي بيزعل يتوجس الشاب الثلاثيني أسامة فاروق في البداية من الحديث، ويتفوه بكلمات بسيطة: "أنا عاوز آكل عيش، ومالييش دعوة بالسياسة"، قبل أن يعرف بما جاء بمواقع عربية وإسرائيلية عنه وعن محله، ومنها ما جاء بوكالة أنباء "قدس برس"، عن الغضب الذي يسود دولة "الكيان الصهيوني" في أعقاب إطلاق اسم "هتلر" على محله، ليقول: "أنا مش عنصري ولا متطرف، وليا أصحابي مسيحيين كتير، ومش ببص للأديان التانية بصة وحشة". أسامة فاروق: أنا مش عنصري وماليش دعوة بالسياسة.. وعندي أصحابي مسيحيين اسألوهم "كنت عاوز أخطف عين الزبون"، هذا كل ما فكر فيه "أسامة"، عندما فكر في إطلاق اسم "هتلر" على محله في أواخر عام 2014، وهو ما حكاه ل"الوطن" باستفاضة: "أنا أساسا بياع فروشات، كنت بفرش بالهدوم في طلعت حرب قبل الثورة، وبعدين ربنا كرمني، وفتحت محلي الأولاني وسميته (الفرشة)، عشان يشد الزبون، ومنساش "الفرشة" اللي أكلتني عيش في أول حياتي، وبعدين فكرنا نفتح المحل اللي برة على الشارع مع شريك ليا، واتفرجت على النت على أسماء محلات برة، فشدني اسم محل (هتلر) في الهند، وحطيته من ضمن أسماء تانية كان منها (+18)، بس شريكي أصر على (هتلر) كنوع من الهزار يعني، عشان أنا عندي لدغة في حرف ال(ر)، وكان بيضحك كل ما انطق الاسم، وقالي الاسم ده هيشد الزبون أكتر ويخطفه، وكمان عشان نتميز وسط أسماء المحلات الكتير اللي جنبنا". فاروق: مفيش مصري مش بيكره إسرائيل.. وفي الآخر هما في حالهم وإحنا في حالنا "أسامة" الذي ترك أكاديمية "المقطم"، وهو في عامه الجامعي الثالث، سعيا وراء الرزق وسط مملكة الباعة الجائلين في وسط البلد، معلوماته محدودة عن النازي "أدوولف هتلر"، يقول: "كل اللي أعرفه عنه، أنه كان رئيس ألمانيا في الحرب العالمية الأولى ولا مش عارف التانية، وأنه تبع اليهود، وفي حكاية (خناقة) بينهم وبينه، بس هو ما أذاش المصريين ولا المسلمين في حاجة". رواد "أسامة" من الزبائن الأجانب، تختلف ردود أفعالهم تجاه اسم المحل، فيقول عنهم: "بيجيلي زباين أجانب، وكتير منهم بيعجبهم اسم المحل، وبيتصوروا معاه سيلفي، ويضحكوا معايا ويهزروا، يعني لو في 10 أجانب عدوا على المحل، 6 منهم بيكونوا مبسوطين وبيتصوروا سيلفي مع اليافطة، و4 بيبان على وشهم إنهم زعلانين، وعمري ما حصل مشاكل مع حد منهم بسبب اسم المحل". سألنا "أسامة" تعرف ايه عن "هتلر": "ظهر في الحرب العالمية الأولى أو التانية وكان معاه حكاية مع اليهود" "مفيش مصري ولا مسلم بيحب إسرائيل، ومع ذلك هما في حالهم وإحنا في حالنا"، ينفي صاحب محل "هتلر"، علاقة اسم المحل بكرهه لإسرائيل، ويؤكد أنه مثل أي مصري يكره إسرائيل، واليهود الذين احتلوا سيناء وفلسطين، "بكرههم عشان احتلونا، وعشان المسجد الأقصى بتاعنا اللي احتلوه، وأنا راجل مسلم، والقرآن مبينقطعش من محلي طول اليوم، ومبتكلمش في السياسة خالص، حتى أيام الثورة، كنت بقف على فرشتي، والمظاهرات شغالة قدامي، وماليش دعوة، ولا تبع مبارك ولا الإخوان ولا غيرهم، ومش عارف إسرائيل عاوزة مني ايه، أنا شاب في أول حياته، ومش حمل وجع الدماغ ده". صاحب "هتلر" يرفض تغيير الاسم: "القانون مبيغلطنيش وأجيب منين 10 آلاف جنيه حق اليافطة" يؤكد أسامة فاروق، في نهاية حديثه، أنه لن يغير اسم المحل، ويسوق أسبابه في ذلك، قائلا: "أنا سألت محامين أصحابي، وقالولي إن القانون في مصر مبيجرمش إن اسمي محلي يبقى (هتلر)، ليه أشيل الاسم؟ وبعيدن الزبون ارتبط باسم المحل، وبعدين أجيب 10 آلاف جنيه منين عشان أغير اليافطة، وأنا راجل على باب الله، ورزقي يوم بيوم".