عندما ينشر هذا المقال، سوف يكون انتهى الشعب المصرى من الاستفتاء على مسودة الدستور، وبغض النظر عما إذا كانت نتيجته بنعم أو لا، فلابد من الإشارة إلى بعض النقاط الهامة فى الدستور المتعلقة بحرية واستقلالية وسائل الإعلام المختلفة التى سيترتب عليها قوانين عدة. ففى واقع الأمر، توجد مخاوف كثيرة من الضغوط التى قد تمارس على المؤسسات الإعلامية فى اختصاص عملها، وبالرغم من نص الدستور فى المادتين 215 و216 على إنشاء مجلس وطنى للإعلام وهيئة وطنية للإعلام والصحافة لضمان تنظيم الإعلام من جهة مستقلة بدلاً من النظام الحالى الذى تمتلك فيه الحكومة وسائل إعلام عديدة وتقوم بدور الرقيب فى نفس الوقت. فإننا نجد تداخلاً فى اختصاصات المادتين 215 و216 واستخدام مصطلحات غير دقيقة فى إطار التنظيم، فتنص المادة 215 على أن «يتولى المجلس الوطنى للإعلام تنظيم شئون البث المسموع والمرئى وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها.. ». فعلى الرغم من وجود مميزات فى نص المادة 215 من حيث الحفاظ على تعددية الإعلام من خلال تقديم برامج مختلفة تخدم جميع أنواع المشاهدين وتلبى احتياجاتهم من حيث التثقيف والترفيه والمعرفة، والنص على ضرورة عدم وجود احتكار لوسائل الإعلام من أجل الحفاظ على التعددية، إلا أن المادة تنص على أن المجلس مسئول عن الإعلام المسموع والمرئى والمطبوع والرقمى، وهذا خطأ لفظى لا بد من تصحيحه، وهذا لأن استخدام كلمة «البث» يتضمن تخصيص الترددات لمختلف الإذاعات والقنوات وهو الدور الذى يقوم به جهاز تنظيم الاتصالات، فلا يصح كلياً استخدام كلمة «بث» وهى كلمة لها دلالة تقنية تتبع الهندسة الإذاعية ومقارنتها بالصحافة المطبوعة وهى كلمة لها دلالة بمحتوى الصحافة المطبوعة والصحافة الإذاعية والصحافة التليفزيونية والصحافة الرقمية، فلا يمكن استخدام معانٍ مختلفة ومقارنتهم ببعضهم. بالإضافة إلى أن هذا النموذج غير معتاد عليه خاصة فى الدول المتحولة ديمقراطياً والتى تحاول أن تنتقل من إعلام سلطوى إلى إعلام مستقل. فدائماً يكون تنظيم البث المسموع والمرئى منفصلاً عن تنظيم الصحافة المطبوعة التى فى أغلب الأحيان تطبق نظام التنظيم الذاتى عن طريق إنشاء ما يسمى بالمجالس الصحفية ويقوم العاملون فى مجال الصحافة المطبوعة بوضع الضوابط التى تضمن احترافية الممارسات، فإذا قام أحدهم بمخالفة أى من تلك الضوابط يتم الإعلان عنها وتنشر من أجل الشفافية والمصداقية وحماية الجمهور من التعرض لمعلومات خاطئة. ثم تأتى المادة 216 وتنص على أن «تقوم الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام على إدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان التزامها بأداء مهنى وإدارى واقتصادى رشيد». وهنا أيضاً نجد تداخلاً وتشابكاً فى اختصاصات كل من الهيئة والمجلس الوطنى، فهل دور الهيئة هو متابعة القنوات والتزامها بالضوابط والمعايير التى ينص عليها المجلس الوطنى، أم لديها اختصاصات أخرى؟ ولماذا نص الدستور على ضرورة تحول الإعلام الحكومى لإعلام الدولة ولم ينص على ضرورة وجود نماذج أخرى من الإعلام التى تساعد على التحول الديمقراطى مثل الإعلام المجتمعى؟ لذلك، يجب توخى الحذر عند تشريع القوانين الخاصة بأجهزة التنظيم فى الصحافة والإعلام وضرورة تحديد اختصاصات ومسئوليات هذه الأجهزة حتى تكون هناك ممارسة حقيقية لاستقلالية وسائل الإعلام. وأخيراً كان يجب النص على ضرورة استقلالية المجلس والهيئة إدارياً ومالياً حتى لا تمارس أى ضغوط سياسية أو اقتصادية عليه وحتى تكون لهم شخصيتهما الاعتبارية وإمكانية وضع الضوابط التى تحمى حق الجمهور وتعمل على ازدهار المؤسسات الإعلامية فى عصر المعرفة ومجتمع المعلومات.