«بالروح بالدم نفديك يا إسلام»، و«حى على الجهاد»، تلك هى أول الهتافات التى انطلقت عقب صلاة الجمعة بمسجد القائد إبراهيم، بعد ختام الصلاة مباشرة، لتبدأ معارك دامية بين المتظاهرين بلا سلام وبلا رحمة. «الوطن» كانت حاضرة تسجل تلك الاشتباكات بين مؤيدى ومعارضى «المحلاوى»، فى جمعة «حماية المساجد والعلماء»، كما وصفها مؤيدو «المحلاوى»، الذى أصر على إلقاء خطبته فى مسجد القائد إبراهيم، ووصف من حاصره الأسبوع الماضى بالمأجورين. وقال «المحلاوى» فى خطبته: «إن محاصرة المساجد هى سابقة لم تحدث فى تاريخ الإسلام إلا على أيدى الكفرة، لكن للأسف من حاصر المسجد يوم الجمعة الماضى ليسوا بكفرة، لكنهم عدد من المأجورين والمغرر بهم». واستمر «المحلاوى» فى عادته بالحديث مع المتظاهرين أمام المسجد من على المنبر عقب الصلاة قائلاً: «أقول لمن حاصروا المسجد يوم الجمعة الماضى: أنتم أكرم عند الله من المبالغ التى تتقاضونها». وتابع: أنتم أكرم عند الله من 1000 أو 400 جنيه دفعت لكم لمحاصرة المسجد. وأضاف «المحلاوى»: «لن تتكرر مشاهد الأسبوع الماضى مرة أخرى، وأنا لا أخاف على نفسى أو حياتى، والإعلام حاول تشويه الحقائق وتصوير أن الاشتباكات كانت بين مؤيدى ورافضى الدستور، على عكس الحقيقة وهى أنهم تعمدوا الاعتداء على المسجد». وتابع: إذا كانت أجهزة الأمن تقوم بدورها، ما كان الأمر تطور لاشتباكات بين المدافعين عن المسجد وبين المعتدين عليه. وأضاف «المحلاوى»: «إلا الاعتداء على المسجد يوم الجمعة الماضى ومحاصرته كان الهدف منه، تعطيل الاستفتاء على الدستور». وخلال الصلاة جاءت مسيرة تضم مئات الأشخاص يهتفون ضد الرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، والشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل مثل «واحد.. اتنين.. أبوإسماعيل فين»، و«يسقط يسقط حكم المرشد». وغاب «أبوإسماعيل» عن المشهد فى الإسكندرية وذلك على الرغم من إعلان جماعة «حازمون» عن وصوله للإسكندرية لحماية الشيخ المحلاوى. وسمع دوى إطلاق أعيرة «خرطوش» خلال الصلاة من الناحية الغربية للمسجد، مما جعل الأمن يغلق هذا الاتجاه أمام المعارضين. وفور انتهاء الصلاة، هتف مؤيدو المحلاوى «بالروح بالدم، نفديك يا إسلام»، و«الشعب يريد تطهير البلاد». وضبط عدد من المؤيدين للشيخ المحلاوى مجهولين بمحيط المسجد وضربوهم، وذلك بعد أن اشتبهوا فى كونهم معارضين حاولوا اقتحام تظاهراتهم. واندلعت الاشتباكات من اتجاه منطقة المنشية وذلك عقب وصول المئات من المعارضين ورشقهم المتظاهرين أمام «القائد إبراهيم» بالحجارة، ليتبادلوا التراشق معهم. وحاول الأمن الفصل بينهم من خلال تشكيل واحد للأمن، وتطور الأمر بعد ذلك وأصبح الهجوم من كل اتجاه، وتهاوت سريعاً اللجان الشعبية التى وضعتها التيارات الإسلامية أمام كافة مداخل المسجد، ليتحول القائمون عليها إلى أطراف فى الصراع. وتحول المشهد إلى حرب شوارع واستمر مسلسل معارك الكر والفر بين المتظاهرين فى محيط «القائد إبراهيم» وسط محاولات ضعيفة من الأمن للفصل بينهم. وصرح الدكتور محمد الشرقاوى، وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية، بتزايد أعداد المصابين فى محيط «القائد إبراهيم» إلى 37 إصابة، وذلك بعد تجدد الاشتباكات بين التيارات الإسلامية والقوى المدنية، مشيراً إلى أن 33 إصابة تم نقلهم إلى مستشفى رأس التين، كانت إصاباتهم اختناقاً وجروحاً بالوجه و4 مصابين بمستشفى «الرئيسى الجامعى «الميرى»، من بينهم إصابة أحد الأشخاص ب«خرطوش» فى ساقه. وقال الشرقاوى: إن مديرية الصحة قامت بزيادة أعداد سيارات الإسعاف بمحيط «القائد إبراهيم» إلى 13سيارة، وذلك بعد تزايد أعداد المصابين، فضلاً عن التنبيه على مديرى المستشفيات وأقسام الطوارئ والاستقبال من أجل الاستعداد لتلقى حالات المصابين، مع إعداد غرف العمليات بعد إصابة أحد الأشخاص ب«خرطوش» فى ساقه. ونفى حزب الإصلاح والنهضة، مشاركته فى مليونية «حماية العلماء والمساجد» بالإسكندرية، مؤكداً أن الحزب لم يقم بالتنسيق مع أى من الأحزاب الإسلامية المشاركة، وأن موقفه لم يتغير من مقاطعة كل تلك المظاهرات والمليونيات التى أحدثت حالة من الاستقطاب الحاد داخل المجتمع. ودعا الحزب، فى بيان صدر عنه، بعد أحداث محيط «القائد إبراهيم»، كافة الأطراف الإسلامية والمدنية لتغليب المصلحة الوطنية وإنهاء حالة الصراع الموجودة حالياً، وأن الحزب ماضٍ فى مبادرته «مصر موحدة» لبناء تيار وطنى جامع. فى الوقت نفسه، يأسف الحزب على ما حدث الجمعة الماضى من احتجاز رمز دينى ومناضل سياسى بحجم الشيخ أحمد المحلاوى، وأنه يرفض بشكل قاطع المساس بأى من العلماء أو المساجد، وأن أى تعدٍّ غير مسئول على مقدسات المسلمين سيمس بصورة كبيرة ثوابت الأمن القومى المصرى. وأسفرت الاشتباكات عن غلق كافة الطرق المؤدية لمنطقة محطة الرمل من الاتجاهين، كما أغلقت إدارة مرور الإسكندرية طريق الكورنيش خلال الصلاة. كانت قوات الأمن المركزى قد فرضت طوقاً أمنياً حول المسجد بالتعاون من التيارات الإسلامية لتأمين محيط المسجد. وفرضت قوات الأمن عشرات اللجان فى كافة الشوارع المؤدية للمسجد، وبشارع قناة السويس الذى يعد المدخل الرئيسى لمدينة الإسكندرية من الطريق الصحراوى، وذلك تحسباً لقدوم مجموعات مسلحة من خارج الإسكندرية للانضمام للاشتباكات. وظهرت مئات السيارات المصفحة الآلاف من أفراد الأمن المركزى والشرطة، المدججين بالأسلحة، الذين حاصروا ساحة المسجد، وارتص المئات من جنود الأمن المركزى فى حديقة الخالدين المواجهة للبوابة الرئيسية للمسجد، لمنع وجود المتظاهرين فيها، بهدف تجنب أى اشتباكات. وسمح للصحفيين والإعلاميين للصعود لحديقة الخالدين للتصوير، وذلك بعد ورود تهديدات لعدد من الصحفيين بالإسكندرية بالاعتداء عليهم خلال عملهم. ورفض عدد كبير من القوى السياسية المدنية التعليق على أحداث الاشتباكات بمحيط مسجد القائد إبراهيم فيما سمى جمعة «حماية الأئمة والدعاة»، مؤكدين أنهم لم يكونوا من البداية موافقين على النزول فى هذه الأحداث حقناً للدماء. وقال سعيد عز الدين، المنسق العام للجان الشعبية للدفاع عن الثورة بالإسكندرية، إن موقف اللجان كان واضحاً من البداية برفض المشاركة فى هذه التظاهرة حتى لا تصدر صورة سيئة إلى الرأى العام فيما يخص القوى المدنية مثلما حدث الأسبوع الماضى، حين تم اتهامهم بمحاصرة المسجد والشيخ المحلاوى بالرغم من أنهم كانوا أمام المسجد للمطالبة بخروج الناشطين الذين تم اختطافهم داخله من قِبل بعض القوى الإسلامية وتعذيبهم وسحلهم داخل المسجد. وأضاف أن وسائل الإعلام لم تتناول الأمر بموضوعية ولم توضح الحقيقة وهو ما انعكس على نتيجة الاستفتاء حيث نزل المواطنون يدافعون عن الإسلام الذى تم الاعتداء عليه من قِبل القوى المدنية كما روجت التيارات الإسلامية، على الرغم من أن «المحلاوى» كان من الممكن أن يخرج فى خلال ربع ساعة ولم يكن محاصراً على الإطلاق، مطالباً المواطنين بعدم الانسياق وراء دعوات النزول حتى ينكشف هؤلاء الإسلاميون أمام الجميع، على حد قوله. ورفض محمد سمير، عضو الحملة الشعبية لدعم مطالب التغيير «لازم»، التعليق على الأحداث محملاً طرفى النزاع مسئولية الأحداث، رافضاً لدعوة الإسلاميين للحشد من أجل ترهيب السكندريين، وكذلك ما أقدم عليه بعض المتظاهرين المجهولين من محاولة الاحتكاك بهم عند «القائد إبراهيم». وصرحت ماهينور المصرى، عضو حركة الاشتراكيين الثوريين، أن الحركة لم تشارك فى مظاهرات أمس ولم تدعُ لها، مشيرة إلى أن المشهد يكاد يكون ضبابياً وغير واضح، مؤكدة أنها لم تنزل إلى «القائد» فى البداية ولكنها نزلت لمساعدة الجرحى والمصابين عقب علمها بالاشتباكات من وسائل الإعلام. من جانبه، حمَّل محمود الخطيب، المتحدث الإعلامى لحركة شباب 6 أبريل، مسئولية الأحداث الدامية إلى رئيس الجمهورية ووزير الداخلية، مشيراً إلى أن الأمن الموجود فى محيط «القائد» يقف فى موقف المتفرج ولا يتدخل من أجل وقف الأحداث. وأضاف: أن الحركة ليست مشارِكة فى هذه التظاهرة ولكنها ترى أن تخاذل الأمن وتقاعسه عن اعتقال شخص مثل حازم أبوإسماعيل الذى يشعل الفتنة أينما ذهب وتركه يأتى ليشعل الإسكندرية هو أمر مثير للريبة والغضب فى آن واحد. كانت القوى المدنية والحركات الثورية بالإسكندرية قد طالبت جموع الشباب والمواطنين، بتجنب الوجود فى محيط مسجد القائد إبراهيم خلال مليونية «الدفاع عن العلماء والمساجد»، التى وصفوها بأنها يتبناها بعض الأحزاب والتيارات الطائفية والإرهابية التى تتخذ من الدين ستاراً لها، وتحمل فى جوهرها ومضمونها دعوة للعنف والإرهاب واستعراض القوة. قال بيان صادر عن حركة «كفاية»، حصلت «الوطن» على نسخة منه، إن الحق فى أداء الشعائر الدينية بأى مكان من دور العبادة هو حق مكفول للكافة، مع عدم استخدام دور العبادة فى إعلان مواقف سياسية أو مكاناً لممارسة الخلافات السياسية، مؤكداً أن القوى الوطنية والثورية وفى القلب منها شباب الثوار على درجة عالية من الحكمة ورجاحة العقل فى ألا ينساقوا إلى تلك الدعوة «المريبة» التى تؤدى حال المواجهة والصدام إلى المزيد من الاحتقان والدم الذى يرفض المصريون إراقته أياً كانت انتماءات أصحابه. من جانبها، دعت حركة شباب 6 أبريل، المتظاهرين المعارضين للدستور وقرارات الرئيس والمشاركين فى تظاهرات أمس «الجمعة» بالإسكندرية، لعدم الوجود بمحيط مسجد القائد إبراهيم تجنباً لنشوب أى اشتباكات، مع أبناء «أبوإسماعيل» والمنتمين إلى تيارات الإسلام السياسى.