أصدرت "بين آند كومباني" (Bain & Company)، الشركة العالمية الرائدة في مجال استشارات الأعمال، مؤخراً دراسة جديدة تشير إلى أن الإهتمام المتزايد بالمحتوى والتجارب الرقمية الجديدة ستسهم في إعادة صناعة المحتوى إلى المستوى الذي كانت عليه قبل العام 2008 من حيث قدرتها الاقتصادية، وذلك مع نهاية العام الجاري، حيث تشكل الأسواق الناشئة القوة الدافعة لهذا النمو. وأصدرت الشركة دراسة "خلق القيمة في العصر الرقمي" (Creating Value in the Digital Age) خلال منتدى أفينيون (Forum d'Avignon) في فرنسا، حيث تعتبر هذه هي الدراسة الرابعة لصناعة المحتوى على مستوى العالم التي تقدمها الشركة في هذا المنتدى، الذي يسعى إلى تعزيز العلاقات بين الثقافة والإعلام والاقتصاد. وقال باتريك بيهار، شريك "بين آند كومباني" في باريس ورئيس قسم الإعلام لدى الشركة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا والمشارك في كتابة هذه الدراسة: "تظهر نظرتنا المعمقة على واقع الإعلام وأدواته حالة الاضطراب غير المسبوقة في هذا المجال، حيث يسهم الابتكار في خلق أرضية خصبة لنماذج جديدة، وبعيداً عن الوصول إلى مستويات النضج، تبدي قطاعات صناعة المحتوى مؤشرات قوية لتحقيق نمو قوي خلال الفترة المقبلة". وتسلط دراسة "بين آند كومباني" العالمية، التي شملت أكثر من 6000 مستهلك في كل من الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدةوفرنساوألمانيا وروسيا والصين والهند والبرازيل، الضوء على كيف يمكن أن تبقى الابتكارات في قطاع صناعة المحتوى مُشكلّة إلى حد كبير ضمن خمسة اتجاهات أساسية هي"الوفرة"، حيث يرغب المستهلكون في الوصول إلى كم غير محدود من المحتوى، وخير دليل على ذلك نمو حجم قائمة الكتب على موقع "أمازون" (Amazon) بنحو تسع مرات من 2،3, مليون كتاب في العام 2005 إلى أكثر من 20 مليون كتاب خلال العام الجاري، اما الاتجاه الثانى فهو "التخصيص"، إذ يتم تقسيم المستهلكين وعلى نحو متزايد وفقاً لاهتماماتهم، والدليل على ذلك أن الأفلام المطلوبة على موقع "نت فليكس" (Netflix) اعتماداً على محرك التوصية قد نمت بنحو 1٫3 ضعف من 60٪في العام 2005 إلى 75٪خلال العام الجاري. ويعتبر الاتجاه الثالث هو "التجميع"، حيث تتقارب الجماهير المقسمة نحو المنصات الرقمية القوية، والدليل أن حصة "غوغل" (Google) من عوائد الإعلان على شبكة الإنترنت قد نمت بنحو 109 ضعف من 22٪ في العام 2005 إلى 42٪خلال العام الجاري، والاتجاه الرابع يمثل "المجتمع"، فأصبحت الشبكات الاجتماعية عنصراً هاماً فيما يتعلق بإختيارات المحتوى، والدليل على ذلك أن عدد المستخدمين النشطين لموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قد ارتفع بمقدار 167 مرة من 6 مليون مستخدم في العام 2005إلى مليار مستخدم في العام الجاري. وأخيرا الاتجاه الخامس هو "المشاركة"، ويشارك المستهلكون بفعالية في اكتشاف واختيار المحتوى، والدليل أن معدل حشد المصادر المجتمعية من المشاركين الجدد قد نما بنحو 12 ضعف في غضون عامين من 28 مليون في العام 2010 إلى 330 مليون خلال العام الجاري. وتؤثر هذه الاتجاهات الخمس الكبرى في القطاعات الرئيسية لصناعة المحتوى بطرق مختلفة مثل "الموسيقى المسجلة" وتشير العديد من المؤشرات إلى استقرار صناعة الموسيقى، بما في ذلك توقعات "بين آند كومباني" المتعلقة بتفوق المبيعات الرقمية على المبيعات التقليدية خلال العام الجاري في معظم الأسواق الناضجة. كما تستمر عملية مشاركة الموسيقى عبر المواقع الإلكترونية، حيث ترتفع معدلات المستهلكين في استخدام الشبكات الاجتماعية من أجل الحصول على الموسيقى. وفي الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، ارتفع هذا العدد من 40٪في العام 2009 إلى 48٪في العام 2012 وفي الصين ارتفع من 63٪ في العام 2009 إلى 70٪خلال العام الجاري. كما يعتبر "الفيديو" من الطرق المؤثرة فى هذه الاتجاهات أيضا، حيث أن تغيّر أجهزة الكمبيوتر اللوحية مثل "آي باد" من طريقة مشاهدة المستهلكين للفيديو وتعلن عن الدخول في عصر التلفزيون الاجتماعي. ووفقاً لدراسة "بين آند كومباني"، التى أظهرت أن ثلث المستهلكين في الولاياتالمتحدة يستخدمون أجهزتهم اللوحية لمشاهدة الفيديو، في حين يرتفع هذا العدد إلى حوالي 40% في المملكة المتحدة والصين والبرازيل. كما أن نصف أصحاب الأجهزة اللوحية ممن اعتادوا على مشاهدة التلفزيون توقفوا عن استخدام التلفزيون لمشاهدة أنواع معينة من المحتوى سواء أكان ذلك برامج إخبارية أو ترفيهية. وفيما يتعلق بشهية المستهلك لتجارب التلفزيون المبتكرة، فإن 54% ممن استطلعت آراؤهم في كل من الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدةوفرنساوألمانيا قالوا أنهم مهتمون بالتفاعل مع برنامج معيّن مثل طرح الآراء والتصويت والمشاركة في المسابقات. وتعتبر الكتب من الطرق المؤثرة أيضا، حيث بدأ عصر الإنتقال الرقمي في نشر الكتب في كل من الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وفقا ل "بين آند كومباني". ويشار إلى أنّ ما يقارب نصف المستهلكين في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة قد قرأوا بالفعل الكتب الإلكترونية، بمعدل ثلاثة كتب إلكترونية سنويا. وتختلف حصص السوق بناء على الجنس الأدبي (40% من الكتب الإلكترونية في الولاياتالمتحدة هي إصدارات أدبية جديدة وال 46% الأخرى هي لأجناس أدبية مختلفة) وتمتلك الكتب الإلكترونية حصة سوقية قدرها 15% من السوق الأمريكية و6% في المملكة المتحدة. وينخفض ذلك الرقم ليصل إلى 2% في فرنسا و1% في ألمانيا. وأعاقت مجموعة من العوامل إنتشار الكتب الإلكترونية في أوروبا، من بينها العلاقة القوية التي تجمع المستهلك بالورق والكتب الورقية وشبكات التوزيع المادية المنتشرة بشكل كثيف في جميع أنحاء القارة. ويبدو أن أندية ومجتمعات الكتب الإلكترونية تستحوذ على إهتمام أكبر من المستهلكين في البرازيل وروسيا والهند والصين، حيث أبدى 70% من المستهليكن إهتمامهم بالاشتراك بشكل سنوي لقاء الحصول على خصم بنسبة 10-20% من سعر الكتاب الإلكتروني. وينخفض ذلك الرقم إلى 50% في فرنساوألمانيا وإلى 30% في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة. ويبدي قراء الكتب الإلكترونية في مجموعة "بريك" ميلاً للتعرض للإعلانات أثناء قراءة الكتب الإلكترونية حيث أبدى 75% منهم إهتماما بقراءة الكتب الإلكترونية. وتنخفض تلك النسبة إلى 50% لدى المستهلكين في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدةوفرنساوألمانيا. وقال 44% من المستهلكين في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والبرازيل بأنّهم بدأوا بقراءة المزيد من الكتب (المطبوعة والرقمية) منذ قيامهم بإستخدام الكتب الإلكترونية. وينخفض ذلك الرقم ليصل إلى 32% في فرنساوألمانيا، بينما يقفز إلى 59% في كل من الصين والهند. كما أن الألعاب الإلكترونية تؤثر أيضا، حيث تتوقع "بين آند كومباني" بأن ترتفع نسبة إنتشار محطات الألعاب المتصلة بشبكات الإنترنت في المنازل إلى 30% بحلول العام 2014. في حين أنّ ممارسي الألعاب الإكترونية يمضون 12% من وقتهم في إستخدام الألعاب الإلكترونية على هواتفهم الذكية و34% من وقتهم على محطات الألعاب الإلكترونية، يرتفع الرقم ليصل إلى 38% من الذين يمارسون الألعاب الإلكترونية على هواتفهم الذكية كجهاز وحيد لممارسة الألعاب الإلكترونية، لينخفض الوقت الذي يمضونه في ممارسة الألعاب الإلكترونية على منصات الألعاب إلى 27%. ويمضي ممارسو الألعاب الإلكترونية على الأجهزة المحمولة ثلث وقتهم في لعب الألعاب الشعبية ومعظم الأحيان عبر وسائل الإعلام الإجتماعية. ويمضى 15% من ممارسي الألعاب الإلكترونية في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة 50% من وقتهم أو أكثر في لعب الألعاب القائمة على شبكات التواصل الإجتماعي، بينما 31% يمضون ما مقداره 0-50% من أوقاتهم في لعب تلك الألعاب. أما في فرنساوألمانيا، فإنّ 10% من ممارسي الألعاب الإلكترونية يمضون 50% من أوقاتهم أو ما يزيد في لعب الألعاب الإلكترونية القائمة على شبكات التواصل الإجتماعي، بينما في مجموعة دول "بريك"، ينخفض الرقم إلى 8%. بين أنّ 35% من ممارسي الألعاب الإلكترونية في مجموعة دول "بريك" يمضون ما مقداره 0-50% من أوقاتهم في لعب الألعاب الإلكترونية القائمة على شبكات التواصل الإجتماعي، بينما يمضي 23% من نظرائهم في كل من فرنساوألمانيا الوقت ذاته في لعب الألعاب الإلكترونية القائمة على شبكات التواصل الإجتماعي. من جهته، قال لوران كولومباني، أحد شركاء "بين آند كومباني" والمؤلف المشارك في إعداد هذا التقرير: "لا تثري المنصات الرقمية المحتوى المتاح للمستهلكين فحسب، وإنما تعزز إهتمامهم بالتجارب الجديدة. وتمثل تلبية هذه الرغبة القائمة تحديا كبيراً لمنتجي المحتوى وتفتح آفاقا واسعة أمام الناشرين التقليديين وأصحاب المنصات الرقمية ليرسموا مستقبل "الفوضى" الرقمية."