جامعة سوهاج: انتهاء استعدادات امتحانات نهاية العام الدراسي ل70 ألف طالب    غدا.. انطلاق الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات والمؤسسات المالية العربية لعام 2024    «القومي للمرأة» بسوهاج يختتم تدريب قيادات دينية على نشر الوعي بالقضية السكانية    رسمياً.. نتنياهو مجرم حرب!    التعادل السلبي يحسم موقعة الجونة وطلائع الجيش بالدوري    تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك نايل سات بجودة HD دون تقطيع    مصرع مسن إثر انهيار منزل مكون من طابقين بالمنيا    عيد الأضحى 2024: فرصة للتضحية والتآخي وتعزيز الروابط الأسرية    لخدمة 400 مليون متحدث بالعربي سامسونج تضيف اللغة العربية إلى Galaxy AI    محمد العدل بعد إصابته بجلطة في القلب: تجربة صعبة    خصومات تصل حتى 65% على المكيفات.. عروض خاصة نون السعودية    تكنولوجيا رجال الأعمال تبحث تنمية الصناعة لتحقيق مستهدف الناتج القومي 2030    "هُدد بالإقالة مرتين وقد يصل إلى الحلم".. أرتيتا صانع انتفاضة أرسنال    محلل أداء تونسي يحذر الأهلي من الترجي لهذا السبب    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    حزب الله يشدد على عدم التفاوض إلا بعد وقف العدوان على غزة    بلينكن: نعمل على تحرير "الرهائن" والسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة بمساعدة مصرية    الأمن العام يكشف غموض بيع 23 سيارة و6 مقطورات ب «أوراق مزورة»    قرار جديد ضد سائق لاتهامه بالتحرش بطالب في أكتوبر    بلينكن: إيران قريبة من تصنيع قنبلة نووية بسبب قرارنا "الأسوأ"    «رفعت» و«الحصري».. تعرف على قراء التلاوات المجودة بإذاعة القرآن الكريم غدا    مدير مكتبة الإسكندرية: لقاؤنا مع الرئيس السيسي اهتم بمجريات قضية فلسطين    محمد عبد الحافظ ناصف نائبا للهيئة العامة لقصور الثقافة    كيت بلانشيت ترتدي فستان بألوان علم فلسطين في مهرجان كان.. والجمهور يعلق    أستاذ بالأزهر: الحر الشديد من تنفيس جهنم على الدنيا    أمين الفتوى بدار الإفتاء: سداد الدين مقدم على الأضحية    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل والخدمات الطبية بمستشفى الحسينية    هل وصل متحور كورونا الجديد FLiRT لمصر؟ المصل واللقاح تجيب (فيديو)    شرط مهم حتى تحل له.. طلق زوجته ويريد الزواج من أختها فما رأي الشرع؟    وزيرة الهجرة: نحرص على تعريف الراغبين في السفر بقوانين الدولة المغادر إليها    «منقذ دونجا».. الزمالك يقترب من التعاقد مع ياسين البحيري    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    سامح شكرى لوزيرة خارجية هولندا: نرفض بشكل قاطع سياسات تهجير الفلسطينيين    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    عاجل| أسوشيتد برس تعلن تعليق إسرائيل خدمات الوكالة في غزة    ريال مدريد ضد بوروسيا دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا.. الموعد والقنوات الناقلة    العثور على جثة طفل في ترعة بقنا    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    زراعة النواب تقرر استدعاء وزير الأوقاف لحسم إجراءات تقنين أوضاع الأهالي    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    الخميس المقبل.. فصل التيار الكهربائي عن عدة مناطق في الغردقة للصيانة    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    انتظار مليء بالروحانية: قدوم عيد الأضحى 2024 وتساؤلات المواطنين حول الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشوش .. محمد أبو تريكه
نشر في الوادي يوم 14 - 09 - 2012

تأسرك ابتسامته رغما عنك ، حتى لو كنت مشجعا لفريق منافس ، فتلك الابتسامة البريئة التى تعلو وجهه أينما ذهب وأيا كان الموقف تلقى بمحبة هذا الإنسان فى قلوب كل من يعرفه ، ابتسامة أبو تريكه ترتبط فى ذهنك دوما بصورة ابن البلد ، الفلاح الأصيل ، الذى لم تغيره شهرته ولا أمواله ولا بطولاته مع ناديه أو منتخب بلاده ، لأن محمد أبو تريكه ابن ناهيا ظل هو نفس الشخص الذى خرج منها قبل سنوات طويلة باحثا عن مستقبل مجهول فى لعبة كرة القدم ، ولم يكن يدرى يوما أنه سيصبح أهم وأكبر وأشهر لاعبا للكرة فى هذا الجيل الحالى .. ورغم كل الضغوط التى تزيد مع مثل هذه الشهرة والنجومية ، إلا أنه احتفظ بتلك الابتسامة الطيبة فى أغلب ما واجهه داخل وخارج ملاعب كرة القدم ، ابتسامته الساحرة التى جعلت منه ، أبو تريكه ، البشوش .
ربما تكون تلك الملامح المبتسمة أهم ما يميز وجه أبو تريكه البسيط ، فعيناه أيضا تلمعان دائما بذكاء واضح لم يستخدمه غالبا إلا فى الخير ، يعرف متى يتحدث ومتى يصمت ومتى يعتذر عن خطأ لم يقصده ، هو ليس ملاكا ، ولكن تربيته ونشأته الريفية البسيطة تركت فى نفسه وتصرفاته أثرا واضحا لا يغيب أبدا عن عين الفاحصين والمتابعين له ، سواء بمحبة أو سوء نية ، ولا تكتفى عيناه بإبراز هذا الذكاء ، لأنك تشعر أحيانا بأنها تضحك أيضا ملازمة لهذا الوجه المبتسم دائما حتى فى أشد حالات غضبه ، فعندما يضيع فرصة مؤكدة لإحراز هدف ، تجده غاضبا يلوم نفسه ومع هذا تظل الابتسامة على وجهه ، وهو أمر محير جيدا قد لا تجد له تفسيرا إلا طيبة قلبة وصفاء نيته .
والكل يذكر يوم هاجمه جمهور الزمالك فى مباراة فريقهم أمام الأهلى فى بطولة رابطة الأبطال الأفريقية عام 2008 ، فى سابقة لم تحدث من قبل للاعب مهما كانت شدة المنافسة بينه وبين أى فريق وأى جمهور آخر ، ولم تتكرر ثانية .. يومها ، احرز أبو تريكه هدف التعادل لفريقه وانطلق – لأول مرة ربما وآخر مرة أيضا – نحو الجمهور المنافس وأشار لهم بالصمت والكف عن توجيه السباب إليه ، والعجيب أنك لم تلمح شررا ينطلق من عينيه وهو يواجه الجمهور الأبيض ، ولا حتى تفوه بلفظ ما أو بدا على وجهه الاشمئزاز ، ولو راجعت تلك اللقطة ستجد ملامحا هادئة لا تعكس حالة الغضب بالتأكيد التى تعتمل فى نفسه لأنه واجه هذا الموقف للمرة الأولى فى حياته ، ومن جمهور مصرى نسى فى لحظة كل مواقف أبو تريكه المشرفة وأهدافه مع منتخب بلاده والتى ساهمت فى تتويجه عدة مرات ، بينما كانت كل الجماهير فى القارة الأفريقية ، وحتى فى دول شمال أفريقيا – عكس ما يحدث منذ سنوات طويلة جدا – تحييه بجنون كلما سنحت الفرصة لوجوده بينهم فى مباراة لمنتخب مصر أو النادى الأهلى .. ولم تتكرر تلك الواقعة مع تريكه من أى جمهور مصرى آخر ، لأنه اعتذر حتى عن رد فعله الذى لم يكن خارجا عن الأدب ولكنه لم يتعود على مثله طوال مسيرته الكروية .
عندما تستمع إلى صوته الرخيم الهادئ ، تشعر بأنه يتغلغل إلى أعماق قلبك ، فنبراته دوما هادئة للغاية تعكس حالة من الثبات النفسى والرضا يتمتع بهما هذا اللاعب صاحب الخلق الرفيع ، يتحدث بلغة بسيطة لا تعرف مصطلحات ضخمة أو استعراضية ، لغة تشعر رجل الشارع العادى أن هذا الرجل شقيقه أو جاره ، تستمع إليه عبر الهاتف لتجد إنسانا قمة فى الطيبة والبساطة والبشاشة ، وتشعر بعدها وكأنك تعرفه منذ سنوات وسنوات ، تشاهده على شاشات التليفزيون ضيفا فى أحد البرامج – وقليلا ما حدث هذا لأنه يحاول قدر إمكانه الابتعاد عن الظهور الإعلامى – تقسم بعدها على أنه يشبه العديد من أصدقائك المقربين الذين تجلس معهم يوميا فى مقهى منطقتك .. فهو مصرى حتى النخاع وأكثر بساطة من كثيرين نعرفهم لا ينتمون أبدا إلى مجتمع المشاهير أو النجوم .
تتذكر فجأة لقطة إحرازه لركلة الترجيح الأخيرة فى نهائى كأس الأمم الأفريقية عام 2006 التى أقيمت فى مصر وفاز بها منتخبنا ، حيث بدأ وكأنه لا يعرف انها الركلة الحاسمة للمواجهة أمام منتخب كوت ديفوار العنيد ، ولم ينطلق فرحا إلا بعد انطلاق زملائه نحوه فرحا بالتتويج ، وعندما أدرك تريكه هذا الأمر ، رفع قميص منتخب بلاده ليكشف عن قميصا يحمل لوحة دينية رائعة فى كلمات بسيطة عبرت عن فكره المتدين المعتدل ، فهو فى عز فرحته ونجاحه يعيد الفضل دوما إلى رب العباد بسجداته التى يواظب عليها ، ولا ينسى التعبير عن حبه لنبينا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم ، لتظل تلك اللقطات فى حياة أبو تريكه هى الميراث الحقيقى الذى سيتركه لأجيال كثيرة عشقت هذا اللاعب ، وتمنى هو بالتأكيد من داخله أن توضع فى ميزان حسناته عن الحى القيوم يوم لن ينفعه إلا هذا .
أبو تريكه عاطفى ، هذه حقيقة ، تبرزها أغلب تصرفاته أو ردود فعله التلقائية ، التى قد تجلب له المشاكل أحيانا بسبب سوء الفهم ، حتى من المقربين ، لهذا الزمن الذى نعيشه لا يتفهم كثيرا ردود الفعل العاطفية أو العفوية ، وهو ربما ما حدث معه فى الحدث الأخير المتعلق بموقفه من لعب مباراة السوبر مع ناديه الأهلى ، وهاج وماج كثيرون إزاء قراره بعدم المشاركة فى المباراة ، وسواء كان القرار صحيحا أو لا ، فخرج اللاعب معتذرا عن موقفا محرجا تعرض له ناديه وزملاؤه ، مدللا مرة أخرى عل دماثة خلقه وعاطفته التى تتحكم كثيرا فى أفعاله وتصرفاته .
لا ينسى كثيرون مواقفه الإنسانية الرائعة ، التى قد يعلن عنها أحيانا قليلة وتخفى عنا أغلبها ، رغبة منه فى نيل الثواب كاملا ، فمن مشاركة فعالة فى دعم مستشفى سرطان الأطفال ، إلى مساعدة غير القادرين وغيرها من الأعمال الخيرية الكثيرة التى تعكس تماما طبيعة شخصيته السوية الباحثة عن الخير دائما .. ومن يشاهد صور الأطفال مع أبو تريكه من محبيه وعاشقيه فى مختلف ربوع مصر ، تبرز ابتسامته العريضة على وجهه أكثر ممن رغبوا فى التقاط الصور معه ، كأنه هو الأكثر سعادة وفخرا بتلك الصور واللقطات ..
وسيبقى أبو تريكه أميرا للقلوب ، لأنه تعامل دائما بقلبه مع الجميع ، قلب حنون طيب لا يخرج منه إلا كل حب وخير ، ولأن أساطير الكرة المصرية الحقيقيين ليسوا كثيرا ، حيث لا يتذكر الناس أو التاريخ إلا من حفر اسمه بالجهد والتميز والخلق القويم ، لأن أضلاع هذا المثلث لا تعرف اعوجاجا أو انحرافا ، ومن يفتقد فى سيرته الذاتية واحدا من تلك الأضلاع ، فلن يصمد اسمه كثيرا أمام دوران عجلة التاريخ التى لا ترحم أحدا .. ومحمد أبو تريكه بالفعل هو أسطورة هذا الجيل ، لعبا وفنا وخلقا ، ومواقفه ستظل دروسا لمن يبحث عن رضا ربه ، وحب الناس ، وإن يظل أبو تريكه بوجهه الباسم دائما علامة مميزة للغاية فى زمن ندر فيه وجود أمثاله ، فهذا البشوش أيقونة حب ونجاح نادرا ما تتكرر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.