تأسرك ابتسامته رغما عنك ، حتى لو كنت مشجعا لفريق منافس ، فتلك الابتسامة البريئة التى تعلو وجهه أينما ذهب وأيا كان الموقف تلقى بمحبة هذا الإنسان فى قلوب كل من يعرفه ، ابتسامة أبو تريكه ترتبط فى ذهنك دوما بصورة ابن البلد ، الفلاح الأصيل ، الذى لم تغيره شهرته ولا أمواله ولا بطولاته مع ناديه أو منتخب بلاده ، لأن محمد أبو تريكه ابن ناهيا ظل هو نفس الشخص الذى خرج منها قبل سنوات طويلة باحثا عن مستقبل مجهول فى لعبة كرة القدم ، ولم يكن يدرى يوما أنه سيصبح أهم وأكبر وأشهر لاعبا للكرة فى هذا الجيل الحالى .. ورغم كل الضغوط التى تزيد مع مثل هذه الشهرة والنجومية ، إلا أنه احتفظ بتلك الابتسامة الطيبة فى أغلب ما واجهه داخل وخارج ملاعب كرة القدم ، ابتسامته الساحرة التى جعلت منه ، أبو تريكه ، البشوش . ربما تكون تلك الملامح المبتسمة أهم ما يميز وجه أبو تريكه البسيط ، فعيناه أيضا تلمعان دائما بذكاء واضح لم يستخدمه غالبا إلا فى الخير ، يعرف متى يتحدث ومتى يصمت ومتى يعتذر عن خطأ لم يقصده ، هو ليس ملاكا ، ولكن تربيته ونشأته الريفية البسيطة تركت فى نفسه وتصرفاته أثرا واضحا لا يغيب أبدا عن عين الفاحصين والمتابعين له ، سواء بمحبة أو سوء نية ، ولا تكتفى عيناه بإبراز هذا الذكاء ، لأنك تشعر أحيانا بأنها تضحك أيضا ملازمة لهذا الوجه المبتسم دائما حتى فى أشد حالات غضبه ، فعندما يضيع فرصة مؤكدة لإحراز هدف ، تجده غاضبا يلوم نفسه ومع هذا تظل الابتسامة على وجهه ، وهو أمر محير جيدا قد لا تجد له تفسيرا إلا طيبة قلبة وصفاء نيته . والكل يذكر يوم هاجمه جمهور الزمالك فى مباراة فريقهم أمام الأهلى فى بطولة رابطة الأبطال الأفريقية عام 2008 ، فى سابقة لم تحدث من قبل للاعب مهما كانت شدة المنافسة بينه وبين أى فريق وأى جمهور آخر ، ولم تتكرر ثانية .. يومها ، احرز أبو تريكه هدف التعادل لفريقه وانطلق – لأول مرة ربما وآخر مرة أيضا – نحو الجمهور المنافس وأشار لهم بالصمت والكف عن توجيه السباب إليه ، والعجيب أنك لم تلمح شررا ينطلق من عينيه وهو يواجه الجمهور الأبيض ، ولا حتى تفوه بلفظ ما أو بدا على وجهه الاشمئزاز ، ولو راجعت تلك اللقطة ستجد ملامحا هادئة لا تعكس حالة الغضب بالتأكيد التى تعتمل فى نفسه لأنه واجه هذا الموقف للمرة الأولى فى حياته ، ومن جمهور مصرى نسى فى لحظة كل مواقف أبو تريكه المشرفة وأهدافه مع منتخب بلاده والتى ساهمت فى تتويجه عدة مرات ، بينما كانت كل الجماهير فى القارة الأفريقية ، وحتى فى دول شمال أفريقيا – عكس ما يحدث منذ سنوات طويلة جدا – تحييه بجنون كلما سنحت الفرصة لوجوده بينهم فى مباراة لمنتخب مصر أو النادى الأهلى .. ولم تتكرر تلك الواقعة مع تريكه من أى جمهور مصرى آخر ، لأنه اعتذر حتى عن رد فعله الذى لم يكن خارجا عن الأدب ولكنه لم يتعود على مثله طوال مسيرته الكروية . عندما تستمع إلى صوته الرخيم الهادئ ، تشعر بأنه يتغلغل إلى أعماق قلبك ، فنبراته دوما هادئة للغاية تعكس حالة من الثبات النفسى والرضا يتمتع بهما هذا اللاعب صاحب الخلق الرفيع ، يتحدث بلغة بسيطة لا تعرف مصطلحات ضخمة أو استعراضية ، لغة تشعر رجل الشارع العادى أن هذا الرجل شقيقه أو جاره ، تستمع إليه عبر الهاتف لتجد إنسانا قمة فى الطيبة والبساطة والبشاشة ، وتشعر بعدها وكأنك تعرفه منذ سنوات وسنوات ، تشاهده على شاشات التليفزيون ضيفا فى أحد البرامج – وقليلا ما حدث هذا لأنه يحاول قدر إمكانه الابتعاد عن الظهور الإعلامى – تقسم بعدها على أنه يشبه العديد من أصدقائك المقربين الذين تجلس معهم يوميا فى مقهى منطقتك .. فهو مصرى حتى النخاع وأكثر بساطة من كثيرين نعرفهم لا ينتمون أبدا إلى مجتمع المشاهير أو النجوم . تتذكر فجأة لقطة إحرازه لركلة الترجيح الأخيرة فى نهائى كأس الأمم الأفريقية عام 2006 التى أقيمت فى مصر وفاز بها منتخبنا ، حيث بدأ وكأنه لا يعرف انها الركلة الحاسمة للمواجهة أمام منتخب كوت ديفوار العنيد ، ولم ينطلق فرحا إلا بعد انطلاق زملائه نحوه فرحا بالتتويج ، وعندما أدرك تريكه هذا الأمر ، رفع قميص منتخب بلاده ليكشف عن قميصا يحمل لوحة دينية رائعة فى كلمات بسيطة عبرت عن فكره المتدين المعتدل ، فهو فى عز فرحته ونجاحه يعيد الفضل دوما إلى رب العباد بسجداته التى يواظب عليها ، ولا ينسى التعبير عن حبه لنبينا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم ، لتظل تلك اللقطات فى حياة أبو تريكه هى الميراث الحقيقى الذى سيتركه لأجيال كثيرة عشقت هذا اللاعب ، وتمنى هو بالتأكيد من داخله أن توضع فى ميزان حسناته عن الحى القيوم يوم لن ينفعه إلا هذا . أبو تريكه عاطفى ، هذه حقيقة ، تبرزها أغلب تصرفاته أو ردود فعله التلقائية ، التى قد تجلب له المشاكل أحيانا بسبب سوء الفهم ، حتى من المقربين ، لهذا الزمن الذى نعيشه لا يتفهم كثيرا ردود الفعل العاطفية أو العفوية ، وهو ربما ما حدث معه فى الحدث الأخير المتعلق بموقفه من لعب مباراة السوبر مع ناديه الأهلى ، وهاج وماج كثيرون إزاء قراره بعدم المشاركة فى المباراة ، وسواء كان القرار صحيحا أو لا ، فخرج اللاعب معتذرا عن موقفا محرجا تعرض له ناديه وزملاؤه ، مدللا مرة أخرى عل دماثة خلقه وعاطفته التى تتحكم كثيرا فى أفعاله وتصرفاته . لا ينسى كثيرون مواقفه الإنسانية الرائعة ، التى قد يعلن عنها أحيانا قليلة وتخفى عنا أغلبها ، رغبة منه فى نيل الثواب كاملا ، فمن مشاركة فعالة فى دعم مستشفى سرطان الأطفال ، إلى مساعدة غير القادرين وغيرها من الأعمال الخيرية الكثيرة التى تعكس تماما طبيعة شخصيته السوية الباحثة عن الخير دائما .. ومن يشاهد صور الأطفال مع أبو تريكه من محبيه وعاشقيه فى مختلف ربوع مصر ، تبرز ابتسامته العريضة على وجهه أكثر ممن رغبوا فى التقاط الصور معه ، كأنه هو الأكثر سعادة وفخرا بتلك الصور واللقطات .. وسيبقى أبو تريكه أميرا للقلوب ، لأنه تعامل دائما بقلبه مع الجميع ، قلب حنون طيب لا يخرج منه إلا كل حب وخير ، ولأن أساطير الكرة المصرية الحقيقيين ليسوا كثيرا ، حيث لا يتذكر الناس أو التاريخ إلا من حفر اسمه بالجهد والتميز والخلق القويم ، لأن أضلاع هذا المثلث لا تعرف اعوجاجا أو انحرافا ، ومن يفتقد فى سيرته الذاتية واحدا من تلك الأضلاع ، فلن يصمد اسمه كثيرا أمام دوران عجلة التاريخ التى لا ترحم أحدا .. ومحمد أبو تريكه بالفعل هو أسطورة هذا الجيل ، لعبا وفنا وخلقا ، ومواقفه ستظل دروسا لمن يبحث عن رضا ربه ، وحب الناس ، وإن يظل أبو تريكه بوجهه الباسم دائما علامة مميزة للغاية فى زمن ندر فيه وجود أمثاله ، فهذا البشوش أيقونة حب ونجاح نادرا ما تتكرر .