أربع سنوات مرت على رحيل محمود درويش، والذى مثل حالة شعرية خاصة في تاريخ الشعر العربي المعاصر، من خلال دواوينه المختلفة مثل "لماذا تركت الحصان وحيدا" و "أثر الفراشة" و "كزهر اللوز أو أبعد" و "عاشق من فلسطين" و "مديح الظل العالي" وغيرها. كان "درويش" المولود بقرية "البردة" بالأراضي المحتلة عام 1941 مثل "لاعب النرد" الذي يعشق الحياة حتى الثمالة، ويدافع عن حق وجوده فيها بروح شاعرة ملؤها، التفاؤل والأمل رغم قسوة معطيات هذه الحياة، ما بين الربح والخسارة إذن كانت المعادلة الصعبة أو كما قال في قصيدته التي تحمل نفس العنوان "لاعب النرد": أنا لاعب النرد أربح حينا وأخسر حينا أنا مثلكم أو أقل منكم.... ولدت إلى جانب البئر والشجرات الثلاث الوحيدات كالراهبات ولدت بلا زفة وبلا قابلة وسميت بإسمي مصادفة وورثت ملامحها والصفات وأمراضها : أولا: خللا في شراينيها وضغط دم مرتفع ثانيا خجلا في مخاطبة الأم والأب كان "درويش" مغامرا إلى أقصى حدود المغامرة وذائبا في التجريب إلى آخر حدود الذوبان، ورغم أنه حافظ على شكل القصيدة التفعيلية إلى أنه كان أقرب شعراء قصيدة التفعيلة إلى كتاب قصيدة النثر من الشعراء الجدد، الذين يعتبرون "درويش" أحد المثل العليا في الشهر الحديث. وربما يرجع ذلك من كونه شاعرا لايختلف عليه من رحابة البعد الإنساني الذي يغمر شعره. وعلى حد تعبيره: لادور لي في القصيدة غير إمتثالي لإيقاعها حركات الأحاسيس حسا يعادل حسا وحدسا ينزل معنى وغيبوبة في صدى الكلمات وصورة نفسي التي إنتقلت من أناي إلى غيرها وإعتمادي على نفسي وحنيني إلى النبع لم تتوقف القصيدة عند "درويش" عند منظور المقاومة فقط بإعتبار كونه شاعرا فلسطينيا عاش معاناة شعبه، إنما إضافة لذلك إكتسبه موهبته حسا إنسانيا عميقا، مما جعل قصيدته تصل إلى قراء كثيرين في العالم، مستخدما في ذلك تيمات فنية إستفادت من التراث خاصة التراث الصوفي، وعلى حد تعبير د. فيصل دراج فإن "درويش" سعى بوعي شعري رهيف إلى توسيع قصيدته متوسلا المنظور الصوفي فيقول "أنا الأرض والأرض أنت" مستفيدا من عبارة ابن عربي "أنا أهوى ومن أهوى أنا" و "يتاخم المنظور الرومانسي التصور الصوفي، كاشفا عن العلاقة العضوية بين الأنا والأنت، التي تترجم عشقا فاضي عن حده. وقد توحد درويش مع الأرض وقضية الإنسان ومصيره على هذه الأرض، فجاء شعره رغم بساطة عباراته، وجملة التعبيرة مليئا بالحس الفلسفي. كذلك لم يكتب "درويش" الشعر من برج عاجي بل من خلال معايشة حقيقية، وقد خاض من أجل ذلك غمار السياسة بداية من دراسته للإقتصاد السياسيفي "موسكو" ثم إنتخابه بعد ذلك عام 1988 عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعمله كمستشار للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حتى إستقال من هذا المنصب عام 1933 بعد توقيع إتفاقية أسلو.