قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن البيئة التي أوجدها الاستعمار في الهندوباكستان كانت هي الحاضنة لظهور المفكر الهندي أبي الأعلى المودوي -المولود سنة 1903 والمتوفَّى 1979م- الذي رأى أن المذاهب الغربية تخطط لإزاحة الشريعة الإسلامية من أن تكون مصدرا للتشريع، وأن تستبدل بها القوانين والتشريعات الإنجليزية والبرلمان الإنجليزي، وبالتالي خُلقت أفكاره في هذه البيئة، إلى جانب الاضطرابات التي كانت موجودة في الهند وأدت إلى انفصال باكستان فيما بعد، فالرجل كانت نيته حسنة وهدفه كان نبيلًا لكن الوسيلة للأسف الشديد كانت غير مثمرة وترتبت عليها نتائج لازلنا نعيش ثمراتها المُرَّة حتى الآن. وأشار في برنامجه "الإمام الطيب"، المذاع على عدد من القنوات الفضائية، إلى أن "المودودي" حاول أن يُفْهِمَ المسلمين أنه لا حكم للإنجليز وأن المسلم يكفر إذا اعتقد في تشريعهم لأنهم ينتزعون الحاكمية من الله تعالى، ومن ثَمَّ استدعى من جديد مفهوم الحاكمية، ليسحب من المستعمرين أي إمكانية للتشريع،ثم تشدد "سيد قطب" في مفهوم الحاكمية؛ لأنها انطلقت عنده من القول بجاهلية المجتمع، ثم تكفير المجتمع، ثم جواز قتال المجتمع، وقد حاول كثيرون أن يؤولوا كلامه، بل إن "حسن الهضيبي" أدان كلامه تمامًا، في كتابه المشهور "دعاة لا قضاة". وأضاف: أنه لا يلزم الحاكم من تطبيق الشريعة إلا ما يطيقه وتطيقه الظروف الموجودة لأنه لا يُعالَج ضرر بضرر مساو له أو بضرر أكبر، كما أنه يجب عدم الخلط بين الاعتقاد بما حكم الله وبين التطبيق بما حكم الله، فالتطبيق منوط به البشر، وطالما وجد العدل فالحكم متوافق مع الإسلام، ولذلك فإن الأمة الإسلامية لم تستمر في تاريخها بنظام حكم واحد أو شكل واحد. ولفت إلى أن الشباب يجب عليه أن يأخذوا العلم عن العلماء، فهذه القضايا وهذه العلوم تحتاج إلى أستاذ وعالم، ولا تؤخذ هكذا بالقراءات الحرة في الكتب أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو "سيديهات" أو قنوات. وأوضح أن مفهوم الحاكمية ليس قاصرا على الله تعالى، بل هو أمر مشترك بين الله وبين البشر، والقرآن الكريم في آيات كثيرة منه جعل من الإنسان حكمًا وحاكمًا وأسند إليه الحكم، والحكم لله هو حكم تشريع، وهناك مسائل كثيرة وصف القرآن فيها الإنسان بأنه حاكم، ومَن يقولون: إنَّ الحُكمَ لله فقط، وليس للبشر، فهؤلاء يأخذون بآية، ويضربون صفحًا عن بقية الآيات التي يجب أن تفهم في إطارها وسياقها. وأكد أن مفهوم الحاكمية بالنسبة لله تعالى يختلف عن مفهوم الحاكمية بالنسبة للبشر، فحاكمية البشر حاكمية تصرف وحاكمية تشريعات جديدة مرتبطة بالفضاء الإسلامي الأخلاقي والتشريعي، لكن حاكمية الله تعالى حاكمية حلال وحرام وحاكمية عقيدة. واختتم شيخ الأزهر حديثه بأنه لا يجب تصديق مَن يقول إن قول الله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم الكافرون" تنطبق على الحاكم؛ لأنهم يحكمون بالبرلمانيات وبالقوانين المدنية، فهؤلاء فهموا الآية على غير وجهها؛ لأن الآية تعني مَن لم يعتقد بما أنزل الله فأؤلئك هم الكافرون، وهناك فرق كبير جدًّا بين مَن لم يعتقد وبين مَن لم يطبق أو ينفذ.