كثيرون يحبون أيقونة السينما المصرية يوسف شاهين.. نحبه وبكيناه حين رحل. بعضنا لديه يوسف شاهين قديم وآخر جديد. إن بحثت عما يفرق أفلامه القديمة عن الحديثة علي مستوي المضمون و"تون" الخطاب، فربما تجد أن الفارق الأساسي هو موضوع "الحب" والخطاب المهووس به. غابت الرؤية السياسية والاجتماعية المنحازة التي ميزت الأفلام القديمة ليحتل مكانها هاجس جديد، كلمة مبهمة، لم تتوصل البشرية حتي الآن إلى التوحد حول معناها.. الحب!! إن أحببنا بعضنا البعض فإن العالم سيكون أفضل. وكأنه ليس هناك صراع أو تناقضات أو مصالح متضاربة تصنع مواقع متناقضة ومتصارعة، وعلي كل منا أن يختار الموقع الذي ينحاز إليه. لكن المتفرج قادر علي تقبل هذا "الهوس" ب "الحب" لأن يوسف شاهين في النهاية فنان، يصنع أفلاما روائية، ولم يكن رجل سياسة، ولم يتحدث عن حادثة محددة عاشها المتفرج ويعرف أنها اللحظة الأهم في تاريخه. وهو ما يبرر قلق البعض عند مشاهدتهم لفيلم "الميدان". فالمخرجة تحدثنا عما عشناه ونعرفه جيدا. تحدثنا عن حالة خراب، حالة هزيمة. وتقول لنا إننا قد هزمنا لأننا لم نحب بعضنا البعض بما يكفي. فلو كنا قد وقفنا متحدين سويا، وبنفس مشاعرنا المرهفة التي تنتمي للثمانية عشر يوما الأولي، لكنا قد انتصرنا علي عدونا"الوحيد".. الجنرالات. هل تستطيع الانحيازات والمصالح السياسية والاجتماعية الصمود علي صخرة أو طوبة الحب؟ هل حالة الهوس المجتمعي الحالية بالحب ستجعلنا نحب بعضنا البعض ونبني وطنا جميلا؟؟ أم أنها ستجعلنا نلعن الحب وسنينه؟ بعض نشطاء حقوق الانسان يبتسمون أمام الكاميرا، يحملون يافطة مكتوب عليها "لوف إذ أهيومن رايتس".. "الحب هو حقوق الإنسان"!! البرادعي، هذا السياسي المهم والمنسحب، الذي أسماه البعض ب"المفكر العالمي".. هاهو يحاول العودة من جديد من بوابة تويتر، لكنه يفقد المدخل. فلا يجد إلا كلمات ساذجة لمغني شاب يحاول أن يكون "عبد الحليم حافظ" المعاصر، كي يستخدم أغنيته لهذه العودة.. الحب، ورفض الكره، ورفض الشيطان اللي دخل بيننا. هذه هي العناصر التي توحد بين البرادعي وحمزة نمرة، وتجعلهما يستخدمان نفس الخطاب!! فتتحسر، هل تكمن أسباب أزمتنا في أننا نفتقد للحب؟؟ هل هي لمجرد أن الشيطان قد قطع حبل الوصال؟؟ هل يري "المفكر" أن هزيمتنا تكمن في أن قلوبنا صغيرة الحجم وتحتاج إلي أن تتسع؟ هل من الممكن أن يكون قلبي بحجم قلب الجنرال؟؟ بدأت خطابات الحب بهذه الصحفية صاحبة الجملة الشهيرة "أنت تغمز بعينك بس". ورافقها هذا الرسام الذي يصور الجنرال "السيكسي" كسوبرمان مفتول العضلات، يتلقف هذه الفلاحة "الملعب" التي من المفترض أنها مصر. لكن هذا الخطاب "العميق" تطور في كل الاتجاهات. لدرجة أنه من الممكن أن نجد أتباع السيسي يحاولون إقناعنا يوما ما بأنه ليس هناك داع لأن يقدم برنامجا، فحبه لنا وحبنا له كافيان، وأن هذا هو "العقد" بيننا. حتي الآن يكتفون بإشهارات الحب الجنسية.. القمص الذي يتحدث عن هواجسه الجنسية بصورة السيسي.... الصحفي/رئيس التحرير/الشو مان/المناضل الذي يصف المعارضين بأنهم يعانون من الضعف الجنسي!! ستجد من يتحدث عن ابتسامة المشير المخلص الذي أنقذ الأمة، ومن يتحدث عن ذكائه الخارق.. وستجد رئيس الوزراء الذي يقول في منتدي دافوس أن النساء المصريات يحبون السيسي لوسامته.. إلخ.الجميع يستخدم خطاب الحب، لكنه ليس دائما الحب العذري الذي لا يملك سواه الجنرال نفسه.. هو حب أكثر تجارية، أكثر جرأة، حب مختلط بكل أنواع الهواجس والرغبات الجنسية لمجتمع مكبوت. الجنرال يعرف هذا.. يعرف أن أتباعه لا يملكون ما يقولونه سوي هذا الكلام التافه. وهو يعرف نفسه أيضا، يعرف أنه لا يملك ما يمنحه سوي هذا النوع من الخطاب. هل يخاف الجنرال؟ يقولون عنه أنه فارس، خاطر برقبته وأطاح بالرئيس الذي ينتمي للجماعة الإرهابية. ربما، وربما يرتعب من مجرد خاطرة أن يسأله صحفي ذكي وجرئ عن تصوراته السياسية والاقتصادية. بماذا سيجيب؟ لن يتحدث سوي بنغمة عبد الحليم - عبد الحليم ليس حكرا علي حمزة نمرة - وبهذه النظرة المحملة بالنوستالجيا، كي يطمئننا علي هذه المشاعر التي تتحرك بقلبه تجاه الشعب والوطن والأمة والجيش العظيم. يعرف الجنرال أن عدوه قد بدأ في استخدام نفس النغمة.. نغمة الحب. هل قرأت بيان الإخوان الإعتذاري في ذكري الثورة؟؟ هذا هو ملخصه: (عليك بأن تكون متخلفا عقليا وتصدق أني أحبك. أحبك أكثر من الجنرال. وخطأي الوحيد هو أنني لم أدرك أن هناك من لا يحبون الوطن فوثقت بهم). ويتخذون خطوة أخري في طريق الحب، فيرسلون للثوار وللشهداء باقة ورد.. اغتيال لواء شرطة في ذكري جمعة الغضب!! شكرا. الجنرال يعرف عدوه، ولن يسمح له بأن يزايد عليه في الحب، فيضاعف من مستوي النغمة، وتنطلق الأبواق في كل الاتجاهات كي تتحدث عن قلبه الكبير وعن حب الأتباع والشعب له. يعرف الجنرال أن عليه أن يتغاضي عن تغيير لقبه في هذا المقال، فتتم إضافة حرف الكاف في منتصفه تماما، ليكون الجنرال/السلطة/الدولة السيكسي، في مواجهة الإرهاب المنفر والقبيح، فالإيحاء بالفحولة ضروري. أما أنت فعليك أن تركز في الحب، وأن تنسي من قتلهم وسيقتلهم حب الطرفين، ومن سقطوا وسيسقطون في هذا الصراع العاطفي. فقد سقطوا بسبب حماقتهم لأنهم يرفضون هذا الحب العظيم. واستمتع بأن الطرفين مولعان بك حد الهوس، ويحبونك كأنك ذواتهم المشوهة. وإن كنت متزوجا فكن كريما، وتغاضي عن يقينك بأن كل الأحلام الجنسية لزوجتك، ورغباتها، تتمحور حول الجنرال.فالبديل هو أن تكون أحلامها الجنسية منصبة علي خيرت الشاطر.