دائماً في اللحظات الثورية في مصر أسمع صوت ليلى مراد في الخلفية. وأحياناً قبل الأحداث بقليل كأنها نبؤة. لماذا ليلى مراد؟ لماذا أنا قلبي دليلي؟ ولماذا لحن محمد القصبجي؟ هذا ما سأحاول أن احكيه معكم؛ لعلي أصل إلى أي سبب منطقي غير السبب الواضح " إنك مجنونة يا سمورة وبتهلوسي!". الآهات بصوت ليلي مراد تملئ سماء القاهرة. أسمع صوتها جلياً ليلة 25 يناير 2011. كنت أنا وإحدي صديقاتي المقربات نحاول أن نخرج من منطقة وسط البلد وميدان التحرير بعد محاولات فاشلة متتالية للوصول إلي كوبري أكتوبر. أمد رأسي من شباك السيارة في محاولة لاستكشاف الميدان لكنني لا أري شيئا من كثافة الغاز المسيل للدموع. قبلها بعدة ساعات كنت قد مررت بالصدفة و سمعت الهتاف " يسقط يسقط حسني مبارك". عندها سمعت في الخلفية المدخل الموسيقي لأغنية أنا قلبي دليلي موسيقي الفالس برؤية العبقري محمد القصبجي أو قصب كما كانت تناديه الست.. لم أركز كثيراً، واعتبرتها محاولة من عقلي الباطن للسيطرة علي القلق الذي كان يعترينا خاصة بعدما بلغنا أن أحد أصدقائنا المقربين قد تم القبض عليه، ولا أحد يعلم مكانه. انا قلبي دليلي قالي ح تحبي دايما يحكيلي وبصدق قلبي انا قلبي دلي ليلي ليلي صوت ليلى مراد بالنسبة لي هو صوت مصر صافي كأنه قادم من السماء السابعة.. فُتحت السماء السابعة في ذلك اليوم، تمت دعوتنا إليها واستجبنا، وظللنا بها 18 يوم بلياليهم نتحرك و نرقص علي إيقاع الأغنية إيقاع فالس لاهث والطغاة لا يفهمون سوي الدم ونحن سبقناهم كما سبق محمد القصبجي كل العصور حتي قال عنه محمد فوزي " ده لحن القرن ال21 مش ال 20". أسرعنا الخطى فجأة في ليلة واحدة. أصبح صوتنا هادر، قوي و ناعم. حبوبي معايا من قبل ما اشوفه قلبي ده مرايا مرسوم فيها طيفه شايفاه آه في خيالي سامعاه .. آه بيقولي يا حياتي تعالي تعالي تعالي نعم!! لبينا الدعوة. و ها نحن نسقط ديكتاتوراً جلس علي عرش مصر لأكثر من ثلاثين عاماً، وبقينا حبايب مصر. نعلم العالم كيف يكتب التاريخ "إزاي بنفنن في عز الوجع و الامل" في ال 18 يوم كما علمهم القصبجي " يعني ايه مزيكا"، لو دلفت إلي إحدي المطاعم في باريس أو مدريد أو أي عاصمة اوروبية؛ قد تسمع موسيقى لحن قلبي دليلي، وحدث هذا بالفعل مع الفاجومي، وساعتها سوف تفهم شعور شعب وقف في وجه الطغاة يسقطهم واحد تلو الاخر كأنهم من ورق. غنيلي تملي وقوليلي تملي الحب ده غنوه كلها احلام انغامها الحلوه احلى انغام .. انا قلبي دليلي قالى ح تحبي دايما يحكيلي وبصدق قلبي انا قلبي دلي ليلي ليلي تأتي عبقرية هذا الاغنية بالذات أن كل كوبليه له لحن الخاص به وطعم فريد. فهو ليس لحناً مكرراً لكل الكلمات. لحن محمد القصبجي ثم وزعه كمان: مُقدمة موسيقية بكامل الوتريات دون إستعانة بموزع مُتخصص كما كان يفعل معظم أقرانه في هذا الوقت عند التعامل مع أعمال موسيقية تحتاج لما هو أكثر من التخت الشرقي التقليدي. ونحن في الثورة كأننا تقمصنا روح القصبجي و صوت ليلي مراد: كل موجة ثورية خلال الثلاث سنوات الفائتة. لها ضربتها ووقتها الصحيح. يتحرك اللاوعي الجمعي للمصريين بدون سابق إنذار و بدون رأس تقوده. نحن مثل محمد القصبجي, الذي لم يدرس الموسيقي دراسة أكاديمية، لكنه كان يذهل الجميع بألحان تأتيه بغزارة و كثافة و تكثيف أيضاً بطعم خاص ليس كمثله شئ. الدنيا جنينه واحنا أزهارها فتحنا عنينا على همسة طيورها مين راح يقطفنا ؟ مين راح يسعدنا النار في قلوبنا لونها في خدودنا شايفاه آه في خيالي سامعاه .. آه بيقولي يا حياتي تعالي تعالي تعالي يا حياتي تعالي تعالي غنيلي تملي وقوليلي تملي هل رأيتم وجه محمد القصبجي؟ ذلك الوجه الملئ بالتجاعيد و شكله أكبر من سنه الحقيقي دائماً وبالرغم من ذلك موسيقاه شابه نضرة كأنها ولدت الغد! ومصر القديمة اللي عمرها يجي 7000 سنة من يوم ما بدأ التدوين، ويمكن قبل كده بكام ألف سنة كمان زهزت و نورت و رقصت علي مزيكا القصبجي. رأيت مصر في ليلتها كزهرة لوتس نضرة كما رسمها جدودي علي جدران المعابد. الحب ده غنوه كلها احلام انغامها الحلوه احلى انغام .. انا قلبي دليلي قالي ح تحبي دايما يحكيلي وبصدق قلبي أنا قلبي دلي ليلي ليلي الخوف علينا من نهاية محمد القصبجي. أفني روحه في علاقة حب لم تثمر عن شئ سوي تنازله عن أحلامه وألحانه في آخرر عشر سنوات أو تزيد حتى من عمره ليقضيها خلف أم كلثوم كعازف عود. أخاف علينا أن نفنى من وليس في الحب. أن نطارد أحلاماً لا نطولها. ما أريده أن نظل بنضارة ألحان قصب، وأن نظل نشدو بصوت ليلي مراد في حالة حب مثالية كتبها أبو السعود الإبياري؛ لا نهاب الزمن بل الزمن هو من يهابنا. لا نكبر في السن و إن كبرنا تظل روحنا شابة. ألا تتحول ثورتنا إلي كرسي فاضي خلف نجمة كبيرة. و المجد كل المجد للمجهولين في ثورتنا. كل المجد لأسم القصبجي الذي يزين إحدى قاعات الكونسرڤتوار الروسي وغيره، بينما نحن ننساه دائماً. والحب لصوت ليلي مراد الذي مازال يأتيني حتي بعد إقتراب مرور ثلاث سنوات علي ليلة 25 يناير 2011.