"يانظام خايف من ورقة وقلم، لو كنت ماشي في السليم ما كنت خفت من اللي اترسم، أخرك تحارب الحيطان، لكن انت جواك جبان، عمرك مهتبني اللي اتهدم".. بهذه العبارات ينطقون، من صمت الجدران يتحررون، بلسان حال فرشاة وألوان، ينطق الجرافيتي بحروف الثورة مؤرخاً إياها بالزمان والمكان. اختلفت الآراء حوله من مؤيد له ومعارض عليه، بين من يظن أنه تشويه لجمال الحوائط الصامتة واعتداء على الملكية العامة، وبين من يعتبره فن إبداعي يخرج الكلام من لسان الجدران المتزمتة، نصب نفسه شخصية العام، ليتمركز بمنصبه كمؤرخ وموثق لأحداث مضت وتمضي وستمضي بها الأيام، إنه وبكل ماللكلمة من معان فن وإبداع وموهبة فرضت نفسها على الساحة السياسية .لتكون فرشاتها الملونة قاسمة بقشتها ظهر بعير النظام الحاكم. ظهر على الساحة بريشة الأولتراس، قبل انطلاق صفارة الثورة، ليقتصر على الشعارات الرياضية وقليل من الصرخات السياسية على استحياء، ليفرض نفسه عالساحة بعد انتهاء شوط الثورة الأول، ليكون بديلاً عن إعلام فاسد وألسنة مكتومة، ناقلاً صورة الواقع برؤية شفافة مرسومة، دون لبس أو تزييف، بصورة مباشرة عقب الحدث. التقينا مجموعة من شباب الثورة جددوا سعيهم الجديد لتوثيق تاريخ الجرافيتي الثوري منذ نشأته وعلاقته الوطيدة مع ثورة يناير ، ليكون الفيلم التسجيلي القصير"الصرخة الصامتة" تتويجا صغيراً لهذا الفن الخلاب، الفيلم الذي انطلقت فكرته من وحي أحداث مسح جرافيتي شارع محمد محمود الماضية. أسموها " موقعة المشير"، كما قال المخرج ملاك داوود مخرج الفيلم، حيث وجدوا في مسح النظام الحاكم للجرافيتي اعتداءً صارخاً على تاريخ الثورة، ظناً من أصحاب الكراسي أن باستطاعتهم محو ذكريات ووقائع الثورة من عيون شبابها، ساعين لمسح سجلهم الإجرامي المكسو باللحى والذقون الطويلة، المتماثل شكلاً ومضموناً بسجل جرائم من تم خلعه، غير مدركين لقوة شعار فناني الجرافيتي" امسح يا نظام جبان، واحنا نرسم تاني وكمان" . الفيلم يسجل ولادة الجرافيتي الثوري منذ أن كان مجرد رسمة كاريكاتيرية على ورق أبيض معلق على حائط خشبي لباترينة مطعم كنتاكي بميدان التحرير، إلى جدارية "اللي كلف مماتش" بشارع محمد محمود بريشة الفنان التشكيلي عمر فتحي الشهير ببيكاسو، الذي رسمها عقب أحداث بورسعيد، مبرزا فيها صورة وجه مقسوم بين وجهي الرئيس المخلوع والمشير طنطاوي المخلوع أيضاً، ليعقبها بعدة رسومات جدراية مماثلة مع اختلاف بسيط ممثل في زيادة صور لشخصيات سياسية مرتكبة للجرائم، أمثال الفريق شفيقو غيره من الفلول، وصولاً لمرشد الاخوان محمد بديع والرئيس الحالي محمد مرسي. ويسلط الفيلم الضوء على أهمية هذا النوع من الفن، الذي يعتبر خليطاً بين التشكيلي والساخر غير مقيد بقواعد رسم محدودة، ليستخدمه كل من الفنان والهاوي والبسيط لينقل به صورة الواقع بشكل مرسوم مبسط. وأضاف داوود، أن الجرافيتي استخدم أيضاً في عدة حملات توعوية في عدة أحياء عشوائية وغيرها ممن تعاني من عدة مشاكل صحية وتعليمية وإنسانية، منها على سبيل المثال حملة اللجنة الشعبية"شبرا حلم بكرة" التي تمت في أحياء بشبرا، هدفت على حد قول هاجرصلاح منسقة الحملة، لنقل المشاكل المختلفة للأهالي على رسوم جدارية بسيطة تظل في أعين المارة لتصل للمسئولين. واستمر تصوير الفيلم طوال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، حاظياً حتى الان على استحسان المشاهدين على مواقع التواصل الاجتماعي، ليستعد فريق العمل للمشاركة بالفيلم في مهرجان يوسف شاهين للأفلام الروائية القصيرة في أول شهر فبراير المقبل. ليكون فيلم الصرخة الصامتة وإن كان بسيطاً في انتاجه الذاتي، إلا أنه يعتبر رسالة تنويه للجميع حول أهمية دور فن الجرافيتي في توثيق الثورة. فالجرافيتي مهما كثر الكلام عنه، لايمكن أن يعطيه حقه في الوصف والإيضاح، فهو فن ثوري حقيقي، ينقل الواقع دون شوائب أو تعديلات عميلة، غير اّبه لبراثن كراسي نظام عابث، أو ما أتت به الثورة من حكم إفرازات عليها دخيلة. فإذا كان جرافيتي الشهيد خالد سعيد قد أحيا نبض الثورة في بداياتها، فلا نستبعد أن يحيي جرافيتي الشهيد جابر صلاح جيكا قلب الخامس والعشرين من يناير المقبل ومايليه. ليحمل الجرافيتي في طياته رسالة واحدة ، "يانظام خايف من ورقة وقلم، ظلمت وبتدوس عاللي اتظلم، لو كنت ماشي في السليم ماكنت خفت من اللي اترسم، أخرك تحارب الحيطان، تتشطر على شوية ألوان، لكن انت أصلك جبان، عمرك مهتبني اللي اتهدم".