مع صباح شمس يوم جديد، يخرج المسؤلون في إيران وقد أمتلئت وجوههم بعلامات التحدي والإباء، ليعلنوا في كل مرة لوسائل الإعلام المختلفة رفضهم و تحديهم لأمريكا و إسرائيل، لكن للمساء حديث آخر، فعندما يحل الظلام قد يصبح العدو صديقا و العكس صحيح ، فلأحاديث السمر أسرار يخفيها المساء في طياته.. فتري ماهي حقيقة تلك الأحاديث السرية التي يجهلها العامة ؟. فكلا من إيران و إسرائيل يصور الآخر علي أنه شيطان رجيم، يجب محاربته و الحد من نفوذه، وكلاهما يؤكد ضرورة محاربة الآخر ليمحو ذكره من العالم ككل . و إذا كانت إسرائيل تذكر اسم دولة "إيران"، فوسائل الإعلام الإيرانية لم تذكر إسم "إسرائيل" من الأساس، بل تشير دائما إليها بكلمة "الكيان الصهيوني". تاريخ العداء بين البلدين بدأ منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية التي قادها "الخميني" سنة 1979، والتي ترتب عليها قطع العلاقات الأمريكية والإسرائيلية، لكن فضيحة "إيران - كونترا" أو "إيران جيت" كشفت جانبا من العلاقات السرية بين كلا من إيران و إسرائيل، وهي صفقة أسلحة بين إيران وإسرائيل والتي لعب فيها الرئيس الأمريكي "رونالد ريغان "دور الوسيط لإتمام الصفقة، تم البيع رغم الحظر المعلن علي بيع الأسلحة إليها، وتم استخدام هذه الأسلحة في الحرب العراقية الإيرانية(1980-1988) ، و تم فضح هذه العلاقة في 1986. كما كشف الكاتب الإيراني، و أستاذ العلاقات الدولية بأمريكا "تريتا بارسي" في كتابه "التحالف الغادر: العلاقات السرية بين الخميني وإسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية"، عن خفايا العلاقات غير المعلنة بين الثالوث المتعارك . تحدث "بارسي" عن العلاقات بين إيران وأمريكا علي مدار ستين عاما، و لم يعير إهتماما مطلقا لفترة ثورة الخميني، بإعتبارها من وجهة نظره لم تشكل حدثا مفصليا أو تغييرا جذريا عن فترة ما قبل الثورة، معللا ذلك بوجود، تحالفات سرية تحدث في الخفاء بين الأطراف المتنازعة ظاهريا، و المتحالفة سرا. و منها علي سبيل المثال الحرب العراقية الإيرانية، و التي تم فيها شراء أسلحة إسرائيلية لضرب العراق . و يستشهد المؤلف بعبارة "لإسحاق رابين" ، ثم وزير الدفاع الاسرائيلي "شاؤول موفاز" ، في أكتوبر 1987 : "أن إيران هي أفضل صديق لإسرائيل". والمفاجأة الكبري التي فجرها "بارسي" في كتابه تتمثل في إستعداد إيران تقديم إعترافا بإسرائيل كدولة شرعية ، والذي سبّب إحراجا كبيرا لصقور البيت الأبيض بزعامة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، الذين كانوا يناورون على مسألة "تدمير إيران لإسرائيل" و "محوها عن الخريطة". وقال "بارسي" (إنّ صقور الإدارة الأمريكية المتمثلة بديك تشيني ووزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد كانا وراء تعطيل هذا الاقتراح ورفضه ، على إعتبار أن الإدارة الأمريكية ترفض التحدّث إلى ما تسميه بدول محور الشر). و أضاف أن إيران كانت تحاول التقرب من أمريكا بعد رفض هذا العرض، لكن إٍسرائيل كانت تعطل هذه المساعي، خوفا من تؤثر هذه العلاقة علي حساباتها في المنطقة . لم تتوقف العلاقات عند هذا الأمر ، فبين الحين و الآخر تخرج بعض وسائل الإعلام الأجنبية و تفضح جانبا من العلاقات الإيرانية – الإسرائيلية، ففي 2011 نشرت صحيفة بلومبرج الإقتصادية الأمريكية تقريرا يفيد بوجود تعاملات تجارية بين إيران و إسرائيل، و قالت الصحيفة أن هناك عددا من الشركات الإسرائيلية قائمة بالفعل داخل إيران بطرق غير مباشرة . شركة "Allot Communication" الإسرائيلية تعد واحدة من الشركات التي تتعامل معها إيران مؤخرا ، و هي شركة متخصصة في مراقبة الإنترنت ، باعت هذه الشركات معدات و أجهزة لإيران بوساطة دنماركية . حيث أنه كان يتم إرسال المعدات للدنمارك عن طريق إسرائيل و منها إلي إيران . و لقد أعترف ثلاثة من العاملين بالشركة الإسرائيلية بهذا السر ، لكن "دان كاتاريواس" مسئول العلاقات الدولية و التجارة الخارجية بالشركة رفض الإفصاح عن هذه الصفقة و قال" أن الحديث في هذا الأمر من المحظورات ". و لعل من أشهر الصفقات الإيرانية – الإسرائيلية و التي أثارت ضجة كبيرة في منتصف عام 2011 ، هي بيع شركة "إخوان عوفر" الملاحية الإسرائيلة إحدي ناقلات البترول "صهريج" لإيران بقيمة 8مليون و 600الف دولار ، و أفادت التقارير أن السفن الخاصة بهذه الشركة رست في ميناء إيران عدة مرات ، رغم الحظر الدولي المفروض عليها . و بعد أن نشرت الصحف الأمريكية أنباء عن هذه الصفقة ، نفي المسؤلون في شركة "إخوان عوفر" الإتهامات الموجهة إليهم بشأن وجود علاقات تجارية بينهم و بين إيران . لكن التلفزيون الإسرائيلي أعلن أن هناك مالا يقل عن 13 سفينة إسرائيلية تابعة لهذه الشركة قد رست في ميناء بندر عباس و جزيرة خارك الواقعة جنوبإيران خلال العشر سنوات الأخيرة . كما أفاد تقرير نشرته إحدي الصحف الإسرائيلية بوجود مالا يقل عن 200 شركة دولية إسرائيلية تقيم علاقات مع إيران لا سيما في مجال الطاقة . كما جاء في تقرير صحيفية بلومبرج أن إسرائيل تبيع الأسلحة لإيران لتكون جبهة لمواجهة الجبهة العربية المعادية لإسرائيل . من ناحية أخري فإسرائيل تصدر لإيران السماد و المعدات الزراعية ، و إيران تصدر لإسرائيل الياميش و الفستق و اللوز . فالفستق الإيراني يدخل الأسواق الإسرائيلية عن طريق تركيا . بل إن إسرائيل تعمل أيضا علي تصديره من خلال أراضيها لأمريكا . كما يتم تصدير الرخام في إسرائيل ، حيث نشرت بعض الصحف الأمريكية أن عددا من المباني و المنشئات الهامة في إسرائيل إستخدم فيها الرخام الأبيض الإيراني . لعل ما يؤكد علي هذه العلاقات التصريح الشهير لنائب الرئيس أحمدي نجاد "اسفنديار رحيم مشائي " حيث قال "أن إيران اليوم دولة صديقة لكلا من أمريكا و إسرائيل ، وأن الشعب الأمريكي من أفضل شعوب العالم " . و بالتالي فإننا أمام حالة مرضية تتستحق الإمعان و التشخيص الجيد ، فالعداء الذي يظهره الطرفين ، يتحول في المساء إلي حالة من الصداقة الحذرة و التي لا تخلو من المصالح . فمتي سيتعافي كلا الطرفين من الشيزوفيرينا ، لتظهر شخصية واحدة لكل منهما لا تتبدل ؟ .