صلاح عيسى: واضعو الدستور يكرهون المثقفين ويعتبرون أنفسهم حماة الدين يوسف القعيد: الدستور «طبخة شايطة» لا تستحق النقاش.. فؤاد قنديل: الإسلاميون يعتبرون الثقافة «دنس» لتخريب العقول صلاح فضل: التأسيسية تعاملت معنا بديكتاتورية ورفضت مقترحاتنا دون نقاش يوسف زيدان: يحتوى على قنابل موقوتة.. طارق نعمان: الإخوان كائنات مضادة للثقافة لا تستطيع العيش إلا فى الظلام حلمى النمنم: هل يعقل أن يكتب دستور مصر «الطفل المعجزة» نادر بكار؟!
هاجم مثقفون مشروع الدستور الجديد، مؤكدين أن الجمعية التأسيسية لوضع الدستور أصرت على تكميم أفواه المثقفين وتهميش دور الثقافة، فى محاولة لقتل روح الإبداع، ما يجعله دستورا يؤسس لدولة الاستبداد، حسب قولهم، الأمر الذى دعا مثقفين لرفض المشاركة فى إتمام مشروع الدستور، الذى تسلمه الرئيس محمد مرسى، نهاية الشهر الماضى، من المستشار حسام الغريانى، رئيس اللجنة، حيث رفض الدكتور عماد أبوغازى، ومحمد سلماوى، وصابر عرب، المشاركة فى إعداد دستور يحرم المواطن من حقه فى المعرفة، فى خطوة وصفوها ب«الديكتاتورية» تعيد البلاد للعصور الوسطى، التى كان ينكل فيها بالخارجين على القانون باعتبارهم «مارقين على الدين والدولة». وانتقد مثقفون المادة «11» من الدستور التى تنص على «ترعى الدولة الأخلاق والآداب والنظام العام، والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية، والحقائق العلمية، والثقافة العربية، والتراث التاريخى والحضارى للشعب، وفقا لما ينظمه القانون»، معتبرين أن الدستور لم يمنح المثقفين حقهم، من حيث وضع المواد الخاصة بهم ضمن أبواب أخرى، ما يشير إلى ضآلة الاهتمام بالثقافة والمثقفين، إضافة إلى أنها لم تذكر كيفية حماية الدولة للإبداع، ولم تخصص هيئة لتوفير تلك الحماية، كما انتقد مثقفون عدم تطرق المادة «12» التى تنص على «تحمى الدولة المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع، وتعمل على تعريب التعليم والعلوم والمعارف» لكيفية تنفيذ ذلك. عداء إسلامى للثقافة قال الكاتب الصحفى صلاح عيسى إن: «واضعى الدستور ناس مبيحبوش الثقافة ولا المثقفين قناعتهم أنهم حماة الدين يدافعون عنه، ومن خالفهم لا يفقه شيئا»، مضيفا: «كان من المفترض تخصيص باب فى الدستور للثقافة لما لها من أهمية، ينص على (التزام الدولة بحماية الحريات الثقافية، وتقديم الخدمة الثقافية بطريقة تصل إلى كل المواطنين)، كما كان منصوصا عليه فى دستور 71، وفى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، منذ إنشاء وزارة الثقافة عام 1957، مرجعا ذلك إلى كره الإسلاميين للثقافة والمثقفين. وانتقد «عيسى» عدم وجود باب خاص للثقافة فى الدستور، والاكتفاء ببعض المواد المتعلقة بحرية الإبداع والتراث، والتى يقصد منها الحفاظ على «كتبهم الدينية» فى إشارة إلى تراث جماعة «الإخوان المسلمون»، مشيرا إلى أن هذه المواد تم «وأدها» فى مواد أخرى من شأنها تكبيل الحريات، وكأن من وضع بند حرية الإبداع شطب عليه بمواد أخرى لتكبيلها. وقال الدكتور محمد صابر عرب، وزير الثقافة: «الثقافة فى الدستور تشغل مساحة محدودة فى دولة قوتها الحقيقية تكمن فى ثقافتها، وتراثها الحضارى المادى والمعنوى، وتحتاج إلى الكثير من الاهتمام، غير أن المساحة التى منحها الدستور للثقافة ضئيلة جدا، إلا أن الوزارة قررت طبع الدستور وتوزيعه بسعر التكلفة على المواطنين للاطلاع عليه قبل الإدلاء بأصواتهم فى الاستفتاء على الدستور، دون توجيه من أى طرف»، مشددا على أن الوزارة تطرح الدستور بسعر التكلفة وليس بالمجان حتى لا تتهم بالترويج للدستور. تعريب العلوم شذوذ عن الدين! كما هاجم الكاتب صلاح عيسى، إصرار واضعى الدستور على الإصرار على واضع مادة ل«تعريب العلوم»، قائلا: «كيف للأطباء التفاعل مع أمثالهم فى العالم، وكيف لهم متابعة الجديد فى الطب؟! الأمر الذى يجعل تطبيق المادة صعبا جدا، ومبالغا فيه وشذوذا عن ثقافتنا وديننا، فالرسول أمر بطلب العلم، بقوله (اطلبوا العلم ولو فى الصين)، وكان يأمر أصحابه بتعلم اللغات للتراسل مع جحافل الروم والفرس». وانتقد الروائى فؤاد قنديل خلو الدستور من مواد حقيقية تعكس اهتمام الدولة بالثقافة والمثقفين، قائلا: «قرأت الدستور حرفا حرفا ولم أجد مواد تدل على اهتمام الدولة بالثقافة، ما يؤكد أن الثقافة مهمشة تماما، كما هو الحال فى السياحة، مع أنهما من أهم الأعمدة التى تقام عليها التنمية التى لا يمكن تحقيقها إلا بالتعليم والثقافة معا»، مضيفا: «الثقافة هى أصل الفكر والآداب والفنون، ومن المفترض وجود باب مستقل لها كما هو الحال مع التعليم والاقتصاد فهى لا تقل أهمية عنهما، إلا أن واضعى الدستور يعتبرونها (دنس) لتخريب العقول، لاشتمالها على السينما والمسرح والرواية والقصة والشعر، والفن التشكيلى، والفكر والفلسفة». واتهم لجنة وضع الدستور بتعمد تهميش الثقافة فى الدستور، بعد رفضها مشاركة المثقفين الذين حددهم اتحاد الكتاب وعلى رأسهم صابر عرب، وعماد أبوغازى فى تشكيل اللجنة، لذلك صدر الدستور خاليا من «مواد تحترم الثقافة، كما لم يعترف بأهمية الثقافة كعمود هام للبناء والتنمية». وقال قنديل إن «التأسيسية» لا تعترف بوجود المثقفين ودورهم الفاعل فى المجتمع بعد إقصاء جميع المثقفين عن الجمعية، مشيرا إلى أن الدستور بحاجة إلى تعديل 41 مادة، متهما الجمعية بالتلاعب بالشعب فى العديد من المواد، وليس المواد الخاصة بالثقافة فقط. «مسخرة» تمرير الدستور وصف الدكتور شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الأسبق، طريقة تمرير مشروع الدستور ب«المسخرة»، معلنا رفضه للدستور بشكل كامل، خاصة المواد الخاصة بالثقافة، والتى كان يجب تخصيص باب خاص لها، مضيفا: «الدستور أسلوب حياة لا يجوز تطبيقه بهذه الصورة الهزلية التى نوقش بها». ووصف «عبدالحميد» طباعة وزارة الثقافة للدستور وتوزيعه على المواطنين ب«الموقف السيئ»، مطالبا الوزارة بعقد مؤتمر صحفى توضح فيه رؤيتها، وتفتح من خلاله حوارا وطنيا حول الأزمة التى يشهدها الشارع المصرى بسبب الإعلان الدستورى، والمواقف السيئة من المسؤولين فى الدولة. وانتقد الكاتب الشاب أحمد عبداللطيف، تهميش الثقافة فى الدستور مقارنا بين وضعها فى الدستور المصرى ودساتير العالم الكافلة لحرية الرأى والإبداع، حيث ذكرت الثقافة صراحة وبشكل واضح، وليس كما فى الدستور المصرى الذى ذكرها على استحياء، مضيفا: «أهكذا تجرى الأمور كما لو كان يمن علينا بحرية الإبداع التى يسلبها الدستور منا فى مادة أخرى؟ ما الذى يعنيه عدم المساس بالأنبياء؟ هم لا يريدون كتابا ولا مثقفين ولا ثقافة بالأساس، هم يريدون تحويل مصر إلى دولية إسلامية، وإقصاء كل من يخالفهم»، مشيرا إلى أن انسحاب الكنيسة من التأسيسية لم يغير من الموقف شيئا، ورغم أنها كفلت للأزهر دوره إلا أنها رفضت ذلك مع الكنيسة. وأضاف أن الدستور «كفل حق الرياضى أبو شورت اللى نازل يجرى فى الشارع، ولم يكفل حقوق العاطلين»، ما يجعله «دستور مسخرة يجب رفضه»، مؤكدا «عدم إيمان الإخوان المسلمين بالثقافة وتنصيب أنفسهم أوصياء على الوطن، معتبرين أنفسهم علماء الإسلام، ويصنعون لأنفسهم كهنوتا يحرم كسره، رغم أنهم قتلة العلماء مثل فرج فودة، وهجروا بعضهم مثل نصر حامد أبوزيد، مؤلف كتاب نقد الخطاب الدينى، وأحيل بسببه للمحاكمة وطلب منه القاضى تجديد إسلامه بنطق الشهادتين، وهاجر بعدها لهولندا لتدريس الدين الإسلامى». إهانة لحرية الفكر قال القاص الشاب هدرا جرجس: «لم أر مواد متعلقة بالثقافة واتحاد الكتاب، والأدباء والفنانين سوى مادة واحدة خاصة بالحقوق الاقتصادية، كما لم يحدد إطار مؤسسى للحفاظ على حرية الفكر ورعاية الأدباء والمثقفين». وأضاف: «ما الذى يعنيه تعريب العلوم؟ فالحفاظ على اللغة العربية واجب يمكن تفهمه إلا أن تطورنا التكنولوجى لم يصل بنا لدرجة الاستقلال، ألم يسمع هؤلاء أن لغتنا رغم قوتها ليست الأولى فى العالم»، مشيرا إلى أن «الثقافة التى يعنونها لا تقبل الاختلاط أو الاندماج مع الآخر». ووصف الكاتب يوسف زيدان، فى تدوينة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» الدستور بأنه «لا قيمة له، وكل ما فيه قنابل موقوتة وأصابع ألغام تؤدى لانقسام الشارع». ديكتاتورية التأسيسية وصف الناقد الأدبى صلاح فضل، طريقة تعامل الجمعية التأسيسية مع المثقفين ب«الديكتاتورية» حيث «رفضت كل المقترحات المقدمة دون مناقشتها مما دفع المثقفين للانسحاب من الجمعية خاصة أن المواد التى تتعرض للثقافة فى الدستور بصفة مباشرة، بها مواد جيدة وأخرى رديئة، لكن المنظور الذى يوجه هذا الدستور فى جملته منظور مضاد للحريات والإبداع، فالعقيدة على سبيل المثال فى الدساتير السابقة (23- 71 ) كانت مطلقة أما فى دستور الإخوان فهى مقيدة بالثلاث عقائد وهى الإسلام والمسيحية واليهودية، إلى جانب الالتزام بالمبادئ الكلية للدين الإسلامى وتقييدها برأى الفقهاء وأحكام السنة والجماعة، عكس الدستور القديم، وكذلك حرية الرأى أصبحت مستثناة منه الآن، ومحظور ألا يكون هذا الرأى متطرقا للرسل والأنبياء كافة، وهو ما يؤدى لتعطيل البحث العلمى فى الأديان وتاريخها ومقارنتها، بالإضافة إلى أن الإبداع الأدبى والفنى أصبح محكوما بالقيم الاجتماعية والتقاليد الراسخة والمستقرة فى المجتمع والأخلاقيات المتعارف عليها، رغم أنه يطبق على الجميع المحافظين والمتشددين والأفراد العاديين، غير أن هذا الدستور تغلب عليه فكرة التعصب باعتباره دستورا إخوانيا». وأكد أن «الدستور به ثغرات شديدة لابد من مراجعتها، ولا يمكن أن يكون دستور المصريين أقل من دستور 71، باعتبار المجتمع المصرى يتطور للأمام ولا يتراجع، ثم إن الثقافة تشمل الدين والتفسير من المنظور المستنير الذى يجعل الدين جزءا من الثقافة الحية ويضم إليه العلم والوعى الحضارى والآداب والفنون، أما المنظور المغلق للدين المتعصب والذى تبناه واضعو الدستور من الجماعة السلفية والإخوان فهو يستبعد هذه الجوانب المعرفية والحضارية». دستور باطل وضع بطريقة عبثية رفض الروائى يوسف القعيد الدستور شكلًا وموضوعًا قائلا: «ما بنى على باطل فهو باطل، فقد وضع هذا الدستور لاستدراج الشعب المصرى لمناقشة دستور وضع بطريقة عبثية، فكيف تضعه لجنة فى مدة قياسية 18 ساعة، رغم أنها لا تمثل جميع أطياف الشعب المصرى، وكيف تضاف مواد له فى اللحظات الأخيرة لم تتم مناقشتها من الأساس؟»، مضيفا: ما يحدث يشير إلى مؤامرة على الوطن المصرى والمصريين، لإصدار دستور بمثابة «طبخه شايطة» لا قيمة لها وتم صنعها بغدر، وطالب جميع المصريين بمقاطعة التصويت على الدستور الذى تسبب فى إراقة الدماء عند قصر الاتحادية. ووصف طارق نعمان، مؤسس لجنة الدفاع عن حقوق الفكر والحريات والإبداع، مسودة الدستور بوثيقة الإذعان للشعب المصرى واستعباده، مؤكدا تقليص كل الأنشطة الثقافية عبر جواب رسمى من رئيس الوزراء لوزارة الثقافة. ووصف جماعة «الإخوان المسلمون» بأنها «كائنات مضادة للثقافة، وخفافيش لا يستطيعون العيش إلا فى الظلام»، مضيفا: «هذا الدستور مرفوض جملة وتفصيلاً باعتباره زبالة، وكل من شاركوا فى صياغته إلى مزبلة التاريخ، وعار على جبين وزير الثقافة أن يطبع هذا الدستور، وكان من المفترض أن يحترم كونه مثقفا فى الأساس وألا يروج لعصابة الإخوان من أجل البقاء فى كرسيه». أزمة دستور الغريانى رفضت شريحة عريضة من المثقفين مناقشة أى مادة من باب رفضهم للدستور كلية، معتبرين ذلك استدراجا لقبوله وعلى رأسهم وزير الثقافة الأسبق عماد أبوغازى، الذى علق غاضبا: «دستور إيه وثقافة إيه وولادنا بيموتوا؟! مرسى قسم البلد وعمل فتنة بسبب الدستور والإعلان الدستورى؟!». وعلق الكاتب الصحفى حلمى النمنم مناقشة الأمر على إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية التى رفضت الاستماع لمطالب الشعب المصرى، مطالبا الرئيس بسحب الدستور، وإلغاء الاستفتاء إذا كان يريد الخير للبلاد، وتساءل: «هل من المعقول أن يكتب دستور مصر فى قرنها ال21 هذا الطفل المعجزة المسمى نادر بكار؟!». أكدت الروائية لؤى بكرى موت الدستور والنظام الحاكم إكلينيكا، ومن ثم لا يجوز مناقشة أى أمر يتعلق بهما، بعد الأحداث الأخيرة وبعد تصرفات «البلطجة والإجرام» التى ارتكبتها جماعة «الإخوان المسلمون» فى حق مصر والشعب المصرى، مضيفة: الأمر تجاوز الدستور، ولا نقاش ولا مشاركة فى أى أمر شارك فيه الإخوان المسلمون، الذين خانوا الوطن، وعلى الرئيس الآن «الرحيل»- حسب قولها. ونددت الدكتورة سحر الموجى، مدرس الشعر الإنجليزى والأمريكى بكلية الآداب جامعة القاهرة بما فعله الإخوان المسلمون بشباب الثورة أمام قصر الاتحادية، مؤكدة عدم شرعية الحاكم، الذى يقتل شعبه، وطالبت الرئيس مرسى بالرحيل. وقال زين عبدالهادى، رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق السابق: «لا نقاش للدستور إلا بعد التوافق الوطنى عليه، فالجميع يرفض هذا الدستور المقيد للقضاء، والممتلئ بأفخاخ الديكتاتورية»، مؤكدا مطالبة المثقفين اللجنة التأسيسية باعتماد النظام البرلمانى الرئاسى، إلا أن المنتج النهائى جاء مفرغا من كل شىء، بما فى ذلك منصب نائب الرئيس، الذى تغافلت اللجنة عن الحديث عنه، ما يجعله «مرفوضًا شكلًا وموضوعًا».